الآية 91 من سورة الحجر
قال تعالى: (ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ) [الحجر - الآية 91]
تفسير جلالين
«الذين جعلوا القرآن» أي كتبهم المنزلة عليهم «عضين» أجزاء، حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام، وقال بعضهم في القرآن سحر وبعضهم كهانة وبعضهم شعر.
تفسير السعدي
الذين جعلوا القرآن عضين أي: أصنافا وأعضاء وأجزاء، يصرفونه بحسب ما يهوونه، فمنهم من يقول: سحر ومنهم من يقول: كهانة ومنهم من يقول: مفترى إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به، الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا الناس عن الهدى.
تفسير بن كثير
وقوله : ( الذين جعلوا القرآن عضين ) أي : جزءوا كتبهم المنزلة عليهم ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض.
قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أنبأنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( جعلوا القرآن عضين ) قال : هم أهل الكتاب ، جزءوه أجزاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضهحدثنا عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس : ( كما أنزلنا على المقتسمين ) قال : آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض : اليهود والنصارىقال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك مثل ذلك.
وقال الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( جعلوا القرآن عضين ) قال : السحر.
وقال عكرمة : العضه : السحر بلسان قريش ، تقول للساحرة : إنها العاضهةوقال مجاهد : عضوه أعضاء ، قالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأولين.
وقال عطاء : قال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون.
وقال بعضهم كاهن.
فذلك العضين ، وكذا روي عن الضحاك وغيره.
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس : أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا شرف فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا.
فقالوا : وأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به.
قال : بل أنتم قولوا لأسمع.
قالوا : نقول كاهن ".
قال : ما هو بكاهن.
قالوا : فنقول : " مجنون ".
قال : ما هو بمجنون ! قالوا فنقول : " شاعر ".
قال : ما هو بشاعر.
قالوا : فنقول : " ساحر ".
قال : ما هو بساحر.
قالوا : فماذا نقول ؟ قال : والله إن لقوله حلاوة ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا : هو ساحر.
فتفرقوا عنه بذلك ، وأنزل الله فيهم : ( الذين جعلوا القرآن عضين ) أصنافا.
تفسير الوسيط للطنطاوي
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ أى قسموه إلى حق وباطل.
وقيل: هو متعلق بقوله- تعالى-: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ.
وجوز أن يراد بالمقتسمين جماعة من قريش.
أرسلهم الوليد بن المغيرة، أيام موسم الحج، ليقفوا على مداخل طرق مكة، لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فانقسموا على هاتيك المداخل، يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج فإنه ساحر.
أى: وقل إنى أنا النذير عذابا مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين.
وقيل المراد بالمقتسمين، الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحا- أى يقتلوه ليلا- فأهلكهم الله.
ثم قال- رحمه الله-: والأقرب من الأقوال المذكورة أن قوله كَما أَنْزَلْنا.
متعلق بقوله- تعالى- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً.
وأن المراد بالمقتسمين أهل الكتابين، وأن الموصول مع صلته، صفة مبينة لكيفية اقتسامهم.
والمعنى: لقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، إيتاء مماثلا لإنزال الكتابين على أهلهما.
ويبدو لنا أن من الأفضل أن يكون المراد بالمقتسمين، ما يشمل أهل الكتابين وغيرهم من المشركين المتحالفين على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم- كما قال ابن كثير- وقد ذهب إلى ذلك الإمام ابن جرير، فقد قال- رحمه الله- بعد سرده للأقوال في ذلك ما ملخصه:«والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله- تعالى- أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم قومه الذين عضوا القرآن ففرقوه، أنه نذير لهم من سخط الله وعقوبته، أن يحل بهم ما حل بالمقتسمين من قبلهم ومنهم.
وجائز أن يكون عنى بالمقتسمين: أهل الكتابين.
وجائز أن يكون عنى بذلك: المشركين من قريش، لأنهم اقتسموا القرآن، فسماه بعضهم شعرا، وسماه بعضهم كهانة.
وجائز أن يكون عنى به الفريقين.
وممكن أن يكون عنى به المقتسمين على صالح من قومه.
لأنه ليس في التنزيل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في فطرة العقل، ما يدل على أنه عنى به أحد الفرق الثلاثة دون الآخرين، وإذا فكل من اقتسم كتابا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض، كان داخلا في هذا التهديد والوعيد.
تفسير البغوي
( الذين جعلوا القرآن عضين ) جزءوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وقال مجاهد : هم اليهود ، والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبدلوه.
وقيل : " المقتسمون " قوم اقتسموا القرآن.
فقال بعضهم : سحر.
وقال بعضهم : شعر.
وقال بعضهم : كذب ، وقال بعضهم : أساطير الأولين.
وقيل : الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ساحر كاهن شاعر.
وقال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، فاقتسموا عقاب مكة وطرقها ، وقعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحجاج : لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منا.
وتقول طائفة منهم : إنه مجنون ، وطائفة : إنه كاهن ، وطائفة : إنه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال : صدق أولئك [ يعني ] المقتسمين.
وقوله : ( عضين ) قيل : هو جمع عضو ، مأخوذ من قولهم : عضيت الشيء تعضية ، إذا فرقته.
ومعناه : أنهم جعلوا القرآن أعضاء ، فقال بعضهم : سحر.
وقال بعضهم : كهانة.
وقال بعضهم : أساطير الأولين.
وقيل : هو جمع عضة : يقال : عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين ، وأصلها : عضهة ذهبت هاؤها الأصلية ، كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة ، بدليل : أنك تقول في التصغير شفيهة ، والمراد بالعضة الكذب والبهتان.
وقيل : المراد بالعضين العضه وهو السحر ، يريد : أنهم سموا القرآن سحرا.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : الذين جعلوا القرآن عضين هذه صفة المقتسمين.
وقيل : هو مبتدأ وخبره لنسألنهم.
وواحد العضين عضة ، من عضيت الشيء تعضية أي فرقته ; وكل فرقة عضة.
وقال بعضهم : كانت في الأصل عضوة فنقصت الواو ، ولذلك جمعت عضين ; كما قالوا : عزين في جمع عزة ، والأصل عزوة.
وكذلك ثبة وثبين.
ويرجع المعنى إلى ما ذكرناه في المقتسمين.
قال ابن عباس : ( آمنوا ببعض وكفروا ببعض ).
وقيل : فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا.
عضوته أي فرقته.
قال الشاعر - هو رؤبة - :وليس دين الله بالمعضىأي بالمفرق.
ويقال : نقصانه الهاء وأصله عضهة ; لأن العضه والعضين في لغة قريش السحر.
وهم يقولون للساحر : عاضه وللساحرة عاضهة.
قال الشاعر :أعوذ بربي من النافثا ت في عقد العاضه المعضهوفي الحديث : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العاضهة والمستعضهة ، وفسر : الساحرة والمستسحرة.
والمعنى : أكثروا البهت على القرآن ونوعوا الكذب فيه ، فقالوا : سحر وأساطير الأولين ، وأنه مفترى ، إلى غير ذلك.
ونظير عضة في النقصان شفة ، والأصل شفهة.
كما قالوا : سنة ، والأصل سنهة ، فنقصوا الهاء الأصلية وأثبتت هاء العلامة وهي للتأنيث.
وقيل : هو من العضه وهي النميمة.
والعضيهة البهتان ، وهو أن يعضه الإنسان ويقول ، فيه ما ليس فيه.
يقال عضهه عضها رماه بالبهتان.
وقد أعضهت أي جئت بالبهتان.
قال الكسائي : العضة الكذب والبهتان ، وجمعها عضون ; مثل عزة وعزون ; قال - تعالى - : الذين جعلوا القرآن عضين.
ويقال : عضوه أي آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي ، فأحبط كفرهم إيمانهم.
وكان الفراء يذهب إلى أنه مأخوذ من العضاة ، وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك.
تفسير الطبري
واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) فقال بعضهم: معناه: الذين جعلوا القرآن فِرَقا مفترقة.
* ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: فرقا.
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جزّءوه فجعلوه أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: جزّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا طلحة، عن عطاء ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: المشركون من قريش، عضُّوا القرآن فجعلوه أجزاء، فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: مجنون ، فذلك العِضُون.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله ( جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) : جعلوا كتابهم أعضاء كأعضاء الجزور، وذلك أنهم تقطعوه زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون، وهو قوله فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) عضهوا كتاب الله ، زعم بعضهم أنه سِحْر، وزعم بعضهم أنه شِعْر، وزعم بعضهم أنه كاهن.
قال أبو جعفر: هكذا قال كاهن، وإنما هو كهانة ، وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.
حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: جعلوه أعضاء كما تُعَضَّى الشاة.
قال بعضهم: كَهانة، وقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا.
الآية ، جعلوه أعضاء كما تُعَضَّى الشاة فوجه قائلو هذه المقالة قوله ( عِضِينَ) إلى أن واحدها: عُضْو، وأن عِضِينَ جمعه، وأنه مأخوذ من قولهم عَضَّيت الشيء تعضية: إذا فرقته، كما قال رؤبة:وليس دينُ اللَّهِ بالمُعَضَّى (1)يعني بالمفرّق ، وكما قال الآخر:وعَضَّى بَنِي عَوْف فأمَّا عَدُوَّهُمْفأرْضَى وأمَّا الْعِزُّ منهُمُ فغيَّرا (2)يعني بقوله: وعَضَّى: سَبَّاهُمْ ، وقَطَّعاهُمْ بألسنتهما (3).
وقال آخرون: بل هي جمع عِضَة، جمعت عِضين ، كما جمعت البُرّة بُرِين، والعِزة عِزِين ، فإذا وُجِّه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام عِضَهَة، ذهبت هاؤها الأصلية، كما نقصوا الهاء من الشَّفَة وأصلها شَفَهَة، ومن الشاة ، وأصلها شاهة ، يدل على أن ذلك الأصل تصغيرهم الشفة: شُفَيْهة، والشاة: شُوَيْهة، فيردّون الهاءَ التي تسقط في غير حال التصغير ، إليها في حال التصغير، يقال منه: عَضَهْتُ الرجل أعضَهُه عَضْهًا.
إذا بَهَتَّه ، وقذفته ببُهتان ، وكأن تأويل من تأوّل ذلك كذلك: الذين عَضَهوا القرآن، فقالوا: هو سِحْر، أو هو شعر، نحو القول الذي ذكرناه عن قتادة.
وقد قال جماعة من أهل التأويل: إنه إنما عَنَى بالعَضْه في هذا الموضع، نسبتهم إياه إلى أنه سِحْر خاصة دون غيره من معاني الذمّ، كما قال الشاعر:للماءِ مِنْ عِضَاتهنَّ زَمْزَمهْ (4)يعني: من سِحْرهنْ.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: سحرا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (عِضِينَ) قال: عَضَهوه وبَهَتُوه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: العَضْه: السحر بلسان قريش، تقول للساحرة: إنها العاضهة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل ، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال: سِحْرا أعضاء الكتب كلها وقريش فرقوا القرآن ، قالوا: هو سحر.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلِم قوما عَضَهُوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بِعضْهِهِمْ إياه مثل ما أنزل بالمقتسمين، وكان عَضْهُهُم إياه: قذفهموه بالباطل، وقيلهم إنه شعر وسحر، وما أشبه ذلك.
وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده، وذلك قوله إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ على صحة ما قلنا، وإنه إنما عُنِيَ بقوله ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) مشركي قومه ، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لم يكن في مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، بل إنما كان قومه في أمره على أحد معنيين: إما مؤمن بجميعه، وإما كافر بجميعه.
وإذ كان ذلك كذلك، فالصحيح من القول في معنى قوله ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) الذين زعموا أنهم عَضَهوه، فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو كهانة ، وما أشبه ذلك من القول، أو عَضَّهُوه ففرقوه، بنحو ذلك من القول ، وإذا كان ذلك معناه احتمل قوله عِضِين، أن يكون جمع: عِضة، واحتمل أن يكون جمع عُضْو، لأن معنى التعضية: التفريق، كما تُعَضى الجَزُور والشاة، فتفرق أعضاء.
والعَضْه: البَهْت ، ورميه بالباطل من القول ، فهما متقاربان في المعنى.