الآية 9 من سورة الأعلى
قال تعالى: (فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ) [الأعلى - الآية 9]
تفسير جلالين
«فذكر» عظ بالقرآن «إن نفعت الذكرى» من تذكرة المذكور في سيذكر، يعني وإن لم تنفع ونفعها لبعض وعدم النفع لبعض آخر.
تفسير السعدي
فَذَكِّرْ بشرع الله وآياته إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.
ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.
تفسير بن كثير
وقوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى ) أي : ذكر حيث تنفع التذكرة.
ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله ، كما قال أمير المؤمنين علي ، رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم.
وقال : حدث الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟!.
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم أمره- تعالى- بدوام التذكير بدعوة الحق بدون إبطاء أو يأس فقال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى.
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى.
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى.
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى.
ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى.
والفاء في قوله فَذَكِّرْ للتفريع على ما تقدم، والأمر مستعمل هنا في طلب المداومة على التذكير بدعوة الحق التي أرسله- سبحانه- بها، والذكرى: بمعنى التذكير.
والمعنى: إذا كان الأمر كما أخبرناك- أيها الرسول الكريم- فداوم على تذكير الناس بالهدى ودين الحق، واتبع في ذلك الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، واهتم في تذكيرك بمن تتوقع منهم قبول دعوتك، وأعرض عن الجاحدين والمعاندين والجاهلين.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بالذكرى نفعت أو لم تنفع.
فما معنى اشتراط النفع؟.
قلت: هو على وجهين: أحدهما.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوا وطغيانا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتلظى حسرة وتلهفا، ويزداد جدا في تذكيرهم، وحرصا عليه، فقيل له: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ.
فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير.
والثاني: أن يكون ظاهره شرطا، ومعناه ذمّا للمذكّرين- بتشديد الكاف المفتوحة- وإخبارا عن حالهم، واستبعادا لتأثير الذكرى فيهم، وتسجيلا عليهم بالطبع على قلوبهم، كما تقول للواعظ: عظ المكاسين إن سمعوا منك، قاصدا بهذا الشرط، استبعاد ذلك، وأنه لن يكون.
وقال الإمام الرازي ما ملخصه: جاء التعليق بالشرط في قوله- تعالى-: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى مع أنه صلى الله عليه وسلم مطلوب منه أن يذكر الناس جميعا، نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم- للتنبيه على أشرف الحالين، وهو وجود النفع الذي من أجله شرعت الذكرى، كقوله- تعالى-: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ.
وللإشعار بأن المراد من الشرط: البعث على الانتفاع بالذكرى، كما يقول الإنسان لغيره بعد أن بين له الحق، قد أوضحت لك الأمر إن كنت تعقل، فيكون مراده الحض على القبول.
ويبدو لنا أن المقصود بالآية الكريمة، تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على المداومة على دعوة الناس إلى قبول الحق الذي جاء به، فإن هذا التذكير إن لم ينفع الناس جميعا، فسينفع بعضهم، فقد اقتضت سنة الله- تعالى- أن لا تخلو الأرض ممن يستمع إلى الحق، ويستجيب له.
تفسير البغوي
"فذكر"، عظ بالقرآن، " إن نفعت الذكرى"، الموعظة والتذكير.
والمعنى: نفعت أو لم تنفع، وإنما لم يذكر الحالة الثانية، كقوله: "سرابيل تقيكم الحر"، وأراد: الحر والبرد جميعاً.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : فذكر أي فعظ قومك يا محمد بالقرآن.
إن نفعت الذكرى أي الموعظة.
وروى يونس عن الحسن قال : تذكرة للمؤمن ، وحجة على الكافر.
وكان ابن عباس يقول : تنفع أوليائي ، ولا تنفع أعدائي.
وقال الجرجاني : التذكير واجب وإن لم ينفع.
والمعنى : فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع ، فحذف كما قال : سرابيل تقيكم الحر.
وقيل : إنه مخصوص بأقوام بأعيانهم.
وقيل : إن إن بمعنى ما أي فذكر ما نفعت الذكرى ، فتكون إن بمعنى ما ، لا بمعنى الشرط ; لأن الذكرى نافعة بكل حال قال ابن شجرة.
وذكر بعض أهل العربية أن إن بمعنى إذ أي إذ نفعت كقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين أي إذ كنتم فلم يخبر بعلوهم إلا بعد إيمانهم.
وقيل : بمعنى قد.
تفسير الطبري
وقوله: ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) يقول تعالى ذكره: فذكِّر عباد الله يا محمد عظمته، وعِظْهم، وحذّرهم عقوبته ( إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) يقول: إن نفعت الذكرى الذين قد آيستُك من إيمانهم، فلا تنفعهم الذكرى.
وقوله: ( فَذَكِّرْ ) أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس، ثم قال: إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم.