الآية 77 من سورة المؤمنون
قال تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ) [المؤمنون - الآية 77]
تفسير جلالين
«حتى» ابتدائية «إذا فتحنا عليهم بابا ذا» صاحب «عذاب شديد» هو يوم بدر بالقتل «إذا هم فيه مبلسون» آيسون من كل خير.
تفسير السعدي
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ كالقتل يوم بدر وغيره، إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ آيسون من كل خير، قد حضرهم الشر وأسبابه، فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد، الذي لا يرد، بخلاف مجرد العذاب، فإنه ربما أقلع عنهم، كالعقوبات الدنيوية، التي يؤدب الله بها عباده.
قال تعالى فيها: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
تفسير بن كثير
وقوله : ( حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون ) أي : حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة وأخذهم من عقاب الله ما لم يكونوا يحتسبون ، فعند ذلك أبلسوا من كل خير ، وأيسوا من كل راحة ، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم.
تفسير الوسيط للطنطاوي
ولفظ «حتى» في قوله- تعالى- حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ.
يقصد به ابتداء الكلام، وإذا الأولى شرطية، والثانية وهي قوله إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ رابطة للجواب.
أى: هم مستمرون على جحودهم وعنادهم، حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد، من أبواب عذاب الآخرة المعد لهم إذا هم فيه مبلسون، أى: ساكتون من شدة الحيرة، وآيسون من كل نجاء.
يقال: أبلس فلان إبلاسا، إذا سكت في حيرة ويأس من الخلاص مما هو فيه من عذاب وبلاء.
وقريب من هذه الآيات في المعنى قوله- تعالى-: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وقوله- عز وجل-: بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
ثم تأخذ السورة الكريمة بعد ذلك في تذكيرهم بنعم الله عليهم، لعلهم يتوبون أو يتذكرون، فتقول:.
تفسير البغوي
( حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ) قال ابن عباس : يعني القتل يوم بدر.
وهو قول مجاهد ، وقيل : هو الموت.
وقيل : هو قيام الساعة ، ( إذا هم فيه مبلسون ) آيسون من كل خير.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسونقوله تعالى : حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد قال عكرمة : هو باب من أبواب جهنم ، عليه من الخزنة أربعمائة ألف ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، وقد قلعت الرحمة من قلوبهم ؛ إذا بلغوه فتحه الله - عز وجل - عليهم.
وقال ابن عباس : هو قتلهم بالسيف يوم بدر.
مجاهد : هو القحط الذي أصابهم حتى أكلوا العلهز من الجوع ؛ على ما تقدم.
وقيل فتح مكة.
إذا هم فيه مبلسون أي يائسون متحيرون لا يدرون ما يصنعون ، كالآيس من الفرج ومن كل خير.
وقد تقدم في ( الأنعام ).
تفسير الطبري
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: حتى إذا فتحنا عليهم باب القتال، فقتلوا يوم بدر.
*ذكر من قال ذلك:حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: ( حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) قد مضى، كان يوم بدر.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: ( حتى إذا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) قال: يوم بدر.
وقال آخرون: معناه: حتى إذا فتحنا عليهم باب المجاعة والضر، وهو الباب ذو العذاب الشديد.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ) قال: لكفار قريش الجوع، وما قبلها من القصة لهم أيضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: وما قبلها أيضا.
وهذا القول الذي قاله مجاهد: أولى بتأويل الآية، لصحة الخبر الذي ذكرناه قبل عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة المجاعة التي أصابت قريشا؛ بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وأمر ثمامة بن أثال، وذلك لا شك أنه كان بعد وقعة بدر.
وقوله: ( إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) يقول: إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزنى نادمون على ما سلف منهم، في تكذيبهم بآيات الله، في حين لا ينفعهم الندم والحزن.