تفسير: قل عسى أن يكون…، الآية 72 من سورة النمل

الآية 72 من سورة النمل

قال تعالى: (قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي تَسۡتَعۡجِلُونَ) [النمل - الآية 72]

تفسير جلالين

«قل عسى أن يكون رَدِفَ» قرب «لكم بعض الذي تستعجلون» فحصل لهم القتل ببدر وباقي العذاب يأتيهم بعد الموت.

تفسير السعدي

ولكن -مع هذا- قال تعالى محذرا لهم وقوع ما استعجلوه: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ أي: قرب منكم وأوشك أن يقع بكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ من العذاب.

تفسير بن كثير

( قل ) يا محمد ( عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون ).

[ قال ابن عباس أن يكون قرب - أو : أن يقرب - لكم بعض الذي تستعجلون ].

وهكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وقتادة ، والسدي.

وهذا هو المراد بقوله تعالى : ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) [ الإسراء : 51 ] ، وقال تعالى ( يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ العنكبوت : 54 ].

وإنما دخلت " اللام " في قوله : ( ردف لكم ) ; لأنه ضمن معنى " عجل لكم " كما قال مجاهد في رواية عنه : ( عسى أن يكون ردف لكم ) : عجل لكم.

تفسير الوسيط للطنطاوي

ولذا جاء الرد عليهم، يحمل في طياته العذاب الشديد، والتهكم المرير، فيقول- تعالى- آمرا رسوله صلّى الله عليه وسلم بالرد عليهم: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ.

والرديف- كما يقول صاحب المصباح- الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة.

ومنه ردف المرأة، وهو عجزها، والجمع أرادف.

وترادف القوم: إذا تتابعوا، وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه.

أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- لا نتعجلوا العذاب فعسى ما تستعجلونه من عذاب، بعضه قد لحقكم ونزل بكم، وبعضه في طريقه إليكم، وأنتم لا تشعرون بذلك، لشدة غفلتكم، وتبلد مشاعركم.

والتعبير بقوله: رَدِفَ لَكُمْ يشعر بأن العذاب ليس بعيدا عنهم، وإنما هو قريب منهم، كقرب الراكب فوق الدابة ممن هو ردفه- أى خلفه- عليها.

ولقد لحقهم شيء من هذا العذاب الذي تعجلوه في مكة، عند ما أصيبوا بالقحط والجدب، ولحقهم شيء منه بعد ذلك في بدر، عند ما قتل المسلمون أكثر زعمائهم، كأبى جهل، وغيره.

ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

تفسير البغوي

( قل عسى أن يكون ردف ) أي : دنا وقرب ، ( لكم ) وقيل : تبعكم ، والمعنى : ردفكم ، أدخل اللام كما أدخل في قوله " لربهم يرهبون " ( الأعراف - 154 ) ، قال الفراء : اللام صلة زائدة ، كما تقول : نقدته مائة ، ونقدت له ( بعض الذي تستعجلون ) من العذاب ، فحل بهم ذلك يوم بدر.

تفسير القرطبي

قل عسى أن يكون ردف لكم أي اقترب لكم ودنا منكم بعض الذي تستعجلون أي من العذاب ; قاله ابن عباس.

وهو من : ردفه : إذا تبعه وجاء في أثره ; وتكون اللام أدخلت لأن المعنى : اقترب لكم ودنا لكم.

أو تكون متعلقة بالمصدر.

وقيل : معناه ( معكم ).

وقال ابن شجرة : تبعكم ; ومنه ردف المرأة ; لأنه تبع لها من خلفها ; ومنه قول أبي ذؤيب :.

عاد السواد بياضا في مفارقه لا مرحبا ببياض الشيب إذ ردفاقال الجوهري : و ( أردفه أمر ) لغة في : ردفه ، مثل : تبعه وأتبعه ، بمعنى ; قال خزيمة بن مالك بن نهد :إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونايعني فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظين.

وقال الفراء : ردف لكم دنا لكم.

ولهذا قال : ( لكم ).

وقيل : ردفه وردف له ، بمعنى فتزاد اللام للتوكيد ; عن الفراء أيضا.

كما تقول : نقدته ونقدت له ، وكلته ووزنته ، وكلت له ووزنت له ; ونحو ذلك بعض الذي تستعجلون من العذاب فكان ذلك يوم بدر.

وقيل : عذاب القبر.

تفسير الطبري

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ) يقول: اقترب لكم بعض الذي تستعجلون.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: (عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ) قال: ردف: أعجل لكم.

حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد قوله: (قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ) قال: أزِف.

حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ ) اقترب لكم.

واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ ) وكلام العرب المعروف: ردفه أمرٌ, وأردفه, كما يقال: تبعه وأتبعه, فقال بعض نحويي البصرة: أدخل اللام في ذلك فأضاف بها الفعل كما يقال: لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ و لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.

وقال بعض نحويي الكوفة: أدخل اللام في ذلك للمعنى؛ لأن معناه: دنا لهم, كما قال الشاعر:فَقُلْتُ لَها الحَاجَاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتى (2)فأدخل الباء في يطرحن, وإنما يقال طرحته, لأن معنى الطرح: الرمي, فأدخل الباء للمعنى, إذ كان معنى ذلك يرمين بالفتى, وهذا القول الثاني هو أولاهما عندي بالصواب, وقد مضى البيان عن نظائره في غير موضع من الكتاب، بما أغنى عن تكراره &; 19-493 &; في هذا الموضع.

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( تَسْتَعْجِلُونَ ) قال أهل التأويل.

*ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ) قال: من العذاب.

------------------------الهوامش :(2) هذا صدر بيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن ص 236 من مصورة جامعة القاهرة) وعجزه: * وهم تعناني معنى ركائبه *وهو في (اللسان: عنا) وفي روايته "تعناه" في موضع تعناني.

قال: وعانى الشيء: قاساه.

يقال: عاناه وتعناه، وتعنى هو.

وقال: "فقلت.

" إلخ والبيت شاهد على أن الباء في بالفتى زائدة مثلها في قوله تعالى (ردف لكم).