الآية 72 من سورة النحل
قال تعالى: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ) [النحل - الآية 72]
تفسير جلالين
«والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا» فخلق حواء من ضلع آدم وسائر الناس من نطف الرجال والنساء «وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة» أولاد الأولاد «ورزقكم من الطيبات» من أنواع الثمار والحبوب والحيوان «أفبالباطل» الصنم «يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون» بإشراكهم.
تفسير السعدي
يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها.
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ أي: أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن شيئا مذكورا ثم أوجده الله وليس له من وجوده سوى العدم فلا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من الأمر شيئا، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله فإنها باطلة فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟" وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ يجحدونها ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به، هل هذا إلا من أظلم الظلم وأفجر الفجور وأسفه السفه؟".
تفسير بن كثير
يذكر تعالى نعمه على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم [ وزيهم ] ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور.
ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم أولاد البنين.
قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد.
قال شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( بنين وحفدة ) هم الولد وولد الولد.
وقال سنيد : حدثنا حجاج عن أبي بكر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك.
قال جميل :حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمالوقال مجاهد : ( بنين وحفدة ) ابنه وخادمه.
وقال في رواية : الحفدة : الأنصار والأعوان والخدام.
وقال طاوس : الحفدة : الخدم وكذا قال قتادة ، وأبو مالك ، والحسن البصري.
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة أنه قال : الحفدة : من خدمك من ولدك وولد ولدك.
قال الضحاك : إنما كانت العرب يخدمها بنوها.
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) يقول : بنو امرأة الرجل ليسوا منه.
ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا قال : ويزعم رجال أن الحفدة أختان الرجل.
وهذا [ القول ] الأخير الذي ذكره ابن عباس قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وأبو الضحى ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقرظي.
ورواه عكرمة ، عن ابن عباس.
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم الأصهار.
قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى : " الحفد " وهو الخدمة ، الذي منه قوله في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنعمة حاصلة بهذا كله ; ولهذا قال : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )قلت : فمن جعل ) وحفدة ) متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ; لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجره وفي خدمته.
وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] والسلام في حديث بصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود.
وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد.
( ورزقكم من الطيبات ) من المطاعم والمشارب.
ثم قال تعالى منكرا على من أشرك في عبادة المنعم غيره : ( أفبالباطل يؤمنون ) وهم : الأصنام والأنداد ، ( وبنعمة الله هم يكفرون ) أي : يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره.
وفي الحديث الصحيح : " إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟ ".
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم ذكرت السورة الكريمة بعد ذلك نعمة أخرى من نعم الله- تعالى- على الناس، فقال- تعالى-: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً.
أى: والله- تعالى- هو وحده الذي جعل لكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أى: من جنسكم ونوعكم أَزْواجاً لتسكنوا إليها، وتستأنسوا بها، فإن الجنس إلى الجنس آنس وأسكن.
قال- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.
قال الإمام ابن كثير: يذكر- تعالى- نعمه على عبيده، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا، أى: من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته أنه خلق من بنى آدم ذكورا وإناثا، وجعل الإناث أزواجا للذكور.
».
وقوله- سبحانه-: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً بيان لنعمة أخرى من نعمه- تعالى- والحفدة، جمع حافد يقال، حفد فلان يحفد حفدا من باب ضرب إذا أسرع في خدمة غيره وطاعته.
ومن دعاء القنوت: «وإليك نسعى ونحفد» أى: نسرع في طاعتك يا ربنا.
والمراد بالحفدة: أبناء الأبناء.
روى عن ابن عباس إنه قال: الحفيد ولد الابن والبنت، ذكرا كان أو أنثى.
وقيل المراد بهم: الخدم والأعوان، وقيل المراد بهم: الأختان والأصهار أى: أزواج البنات وأقارب الزوجة.
قال الجمل بعد أن نقل جملة من أقوال المفسرين في ذلك: وكل هذه الأقوال متقاربة، لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك.
وبالجملة فالحفدة غير البنين، لأن الأصل في العطف المغايرة.
وقوله- سبحانه-: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ بيان لنعمة ثالثة من النعم المذكورة في هذه الآية.
أى: ورزقكم- سبحانه- من الطيبات التي تستلذونها وتشتهونها، وقد أحل لكم التمتع بها فضلا منه وكرما.
ثم ختم- تعالى- الآية الكريمة بتأنيب الذين يؤثرون الغي على الرشد فقال- تعالى-:أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.
والباطل يشمل كل اعتقاد أو قول أو فعل يخالف الحق والرشاد والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والفاء معطوفة على مقدر.
والمعنى: أيجحدون نعم الله- تعالى- فيؤمنون بالباطل، ويكفرون بكل ما سواه من الحق والهدى والرشاد.
وفي تقديم الباطل على الفعل «يؤمنون» إشارة إلى أنهم قد اختلط الباطل بدمائهم فأصبحوا لا يؤمنون إلا به، ولا ينقادون إلا له.
والمراد بنعمة الله عموم النعم التي أنعم الله بها عليهم، والتي لا تعد ولا تحصى.
وفي تقديم النعمة وتوسيط ضمير الفصل، إشعار بأن كفرهم بالنعم مستمر وإنكارهم لها لا ينقطع، لأنهم «استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله».
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ذكرت الناس بعجائب خلقهم وبأطوار حياتهم، ويتفاوت أرزاقهم، وببعض نعم الله- تعالى- عليهم لعلهم عن طريق هذا التذكير يفيئون إلى رشدهم، ويخلصون العبادة لخالقهم- سبحانه-، ويستعملون نعمه فيما خلقت له.
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك لونا من ألوان العقول المنحرفة عن الطريق الحق، كما ساقت مثلين للرب الخالق العظيم، وللمملوك العاجز الضعيف، لعل في ذلك عبرة لمن يعتبر، وهداية لمن يريد الصراط المستقيم، فقال- تعالى-:.
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) يعني : النساء ، خلق من آدم زوجته حواء.
وقيل : " من أنفسكم " أي : من جنسكم أزواجا.
( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) قال ابن مسعود ، والنخعي : الحفدة أختان الرجل على بناته.
وعن ابن مسعود أيضا : أنهم الأصهار ، فيكون معنى الآية على هذا القول : وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات ، تزوجونهم فيحصل بسببهم الأختان والأصهار.
وقال عكرمة ، والحسن ، والضحاك : هم الخدم.
قال مجاهد : هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك.
وقال عطاء : هم ولد ولد الرجل ، الذين يعينونه ويخدمونه.
وقال قتادة : مهنة يمتهنونكم ويخدمونكم من أولادكم.
قال الكلبي ومقاتل : " البنين " : الصغار ، و " الحفدة " : كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله.
وروى مجاهد ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس : أنهم ولد الولد.
وروى العوفي عنه : أنهم بنو امرأة الرجل ليسوا منه.
( ورزقكم من الطيبات ) من النعم والحلال ، ( أفبالباطل ) يعني الأصنام ، ( يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) ؟ يعني التوحيد والإسلام.
وقيل : " الباطل " : الشيطان ، أمرهم بتحريم البحيرة ، والسائبة ، و " بنعمة الله " أي : بما أحل الله لهم " يكفرون " : يجحدون تحليله.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرونوالله جعل لكم من أنفسكم أزواجا جعل بمعنى خلق وقد تقدم من أنفسكم أزواجا يعني آدم خلق منه حواء.
وقيل : المعنى جعل لكم من أنفسكم ، أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم ; كما قال : لقد جاءكم رسول من أنفسكم أي من الآدميين.
وفي هذا رد على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها ، حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غولا وكان يخبئوها عن البرق لئلا تراه فتنفر ، فلما كان في بعض الليالي لمع البرق وعاينته السعلاة فقالت : عمرو ! ونفرت ، فلم يرها أبدا.
وهذا من أكاذيبها ، وإن كان جائزا في حكم الله وحكمته فهو رد على الفلاسفة الذين ينكرون وجود الجن ويحيلون طعامهم.
" أزواجا " زوج الرجل هي ثانيته ، فإنه فرد فإذا انضافت إليه كانا زوجين ، وإنما جعلت الإضافة إليه دونها لأنه أصلها في الوجود كما تقدم.
قوله تعالى : وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : وجعل لكم من أزواجكم بنين ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء ، ووجود الأبناء يكون منهما معا ; ولكنه لما كان خلق المولود فيها وانفصاله عنها أضيف إليها ، ولذلك تبعها في الرق والحرية وصار مثلها في المالية.
قال ابن العربي : سمعت إمام الحنابلة بمدينة السلام أبا الوفاء علي بن عقيل يقول : إنما تبع الولد الأم في المالية وصار بحكمها في الرق والحرية ; لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له ولا مالية فيه ولا منفعة ، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها فلأجل ذلك تبعها.
كما لو أكل رجل تمرا في أرض رجل وسقطت منه نواة في الأرض من يد الآكل فصارت نخلة فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل بإجماع من الأمة لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها.
الثانية : قوله تعالى : وحفدة روى ابن القاسم عن مالك قال وسألته عن قوله - تعالى - : بنين وحفدة قال : الحفدة الخدم والأعوان في رأيي.
وروي عن ابن عباس في قوله - تعالى - : وحفدة قال هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك.
قيل له : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم وتقول أوما سمعت قول الشاعر :حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمالأي أسرعن الخدمة.
والولائد : الخدم ، الواحدة وليدة ; قال الأعشى :كلفت مجهولها نوقا يمانية إذا الحداة على أكسائها حفدواأي أسرعوا.
وقال ابن عرفة : الحفدة عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد ، قال : ومنه قولهم إليك نسعى ونحفد ، والحفدان السرعة.
قال أبو عبيد : الحفد العمل والخدمة.
وقال الخليل بن أحمد : الحفدة عند العرب الخدم ، وقاله مجاهد.
وقال الأزهري : قيل الحفدة أولاد الأولاد.
وروي عن ابن عباس.
وقيل الأختان ; قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحى وسعيد بن جبير وإبراهيم ; ومنه قول الشاعر :فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد ما يعد كثيرولكنها نفس علي أبية عيوف لإصهار اللئام قذوروروى زر عن عبد الله قال : الحفدة الأصهار ; وقاله إبراهيم ، والمعنى متقارب.
قال الأصمعي : الختن من كان من قبل المرأة ، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما ; والأصهار منها جميعا.
يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر.
وقول عبد الله هم الأختان ، يحتمل المعنيين جميعا.
يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن ، فيكون لكم بسببهن أختان.
وقال عكرمة : الحفدة من نفع الرجل من ولده ; وأصله من حفد يحفد - بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل - إذا أسرع في سيره ; كما قال كثير :حفد الولائد بينهن.
البيتويقال : حفدت وأحفدت ، لغتان إذا خدمت.
ويقال : حافد وحفد ; مثل خادم وخدم ، وحافد وحفدة مثل كافر وكفرة.
قال المهدوي : ومن جعل الحفدة الخدم جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم ; كأنه قال : جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين.
قلت : ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه ; ألا ترى أنه قال : وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة فجعل الحفدة والبنين منهن.
وقال ابن العربي : الأظهر عندي في قوله بنين وحفدة أن البنين أولاد الرجل لصلبه والحفدة أولاد ولده ، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا ، ويكون تقدير الآية على هذا : وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة.
وقال معناه الحسن.
الثالثة : إذا فرعنا على قول مجاهد وابن عباس ومالك وعلماء اللغة في قولهم إن الحفدة الخدم والأعوان ، فقد خرجت خدمة الولد والزوجة من القرآن بأبدع بيان ; قاله ابن العربي.
روى البخاري وغيره عن سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعرسه فكانت امرأته خادمهم.
الحديث ، وقد تقدم في سورة " هود " وفي الصحيح عن عائشة قالت : أنا فتلت قلائد بدن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي.
الحديث.
ولهذا قال علماؤنا : عليها أن تفرش الفراش وتطبخ القدر وتقم الدار ، بحسب حالها وعادة مثلها ; قال الله - تعالى - : وجعل منها زوجها ليسكن إليها فكأنه جمع لنا فيها السكن والاستمتاع وضربا من الخدمة بحسب جري العادة.
الرابعة : ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها ، لما روته عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج.
وهذا قول مالك : ويعينها.
وفي أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب.
وقالت عائشة وقد قيل لها : ما كان يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه.
الخامسة : وينفق على خادمة واحدة ، وقيل على أكثر ; على قدر الثروة والمنزلة.
وهذا أمر دائر على العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة ، فإن نساء الأعراب وسكان البوادي يخدمن أزواجهن في استعذاب الماء وسياسة الدواب ، ونساء الحواضر يخدم المقل منهم زوجته فيما خف ويعينها ، وأما أهل الثروة فيخدمون أزواجهن ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك ; فإن كان أمرا مشكلا شرطت عليه الزوجة ذلك ، فتشهد أنه قد عرف أنها ممن لا تخدم نفسها فالتزم إخدامها ، فينفذ ذلك وتنقطع الدعوى فيه.
قوله تعالى : ورزقكم من الطيبات أي من الثمار والحبوب والحيوان.
أفبالباطل يعني الأصنام ; قاله ابن عباس.
يؤمنون قراءة الجمهور بالياء.
وقرأ أبو عبد الرحمن بالتاء.
وبنعمة الله أي بالإسلام.
هم يكفرون.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره ( وَاللَّهُ ) الذي (جَعَلَ لَكُمْ) أيها الناس ( مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء، ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ).
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) : أي والله خلق آدم، ثم خلق زوجته منه ثم جعل لكم بنين وحفدة.
واختلف أهل التأويل في المعنيين بالحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرجل على بناته.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا ثنا أبو معاوية، قال: ثنا أبان بن تغلب، عن المنهال بن عمرو، عن ابن حبيش، عن عبد الله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الأختان.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن عاصم، عن ورقاء سألت عبد الله: ما تقول في الحَفَدَة؟ هم حَشَم الرجل يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لا ولكنهم الأختان.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ؛ وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قالا جميعا: ثنا سفيان، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زِرّ بن حُبَيْش، عن عبد الله، قال: الحَفَدَة: الأختان.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي.
عن سفيان بإسناده عن عبد الله، مثله.
حدثنا ابن بشار وأحمد بن الوليد القرشي وابن وكيع وسوار بن عبد الله العنبريّ ومحمد بن خلف بن خراش والحسن بن خلف الواسطيّ، قالوا: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، قال: الحَفَدَة: الأختان.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الحَفَدَة: الأختان.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الحَفَدَة: الأختان.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الحَفَدَة: الخَتْن.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد الله، قال: الأختان.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الأختان.
وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس، قوله ( وَحَفَدَةً ) قال: الأصهار.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم ، عن زِرّ، عن ابن مسعود، قال: الحَفَدَة: الأختان.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، قال: قال لي عبد الله بن مسعود: ما الحَفَدَة يا زِرّ؟ قال: قلت: هم أحفاد الرجل من ولده وولد ولده.
قال: لا هم الأصهار.
وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سليم بن قتيبة، عن وهب بن حبيب الأسَدي، عن أبي حمزة، عن ابن عباس سئل عن قوله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: من أعانك فقد حَفَدك، أما سمعت قوله الشاعر:حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْبأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمال (12)حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الحفدة: الخُدّام.
حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثني سَلْم بن قتيبة، عن حازم بن إبراهيم البَجَلي، عن سماك، عن عكرمة، قال: قال: الحَفَدَة: الخُدّام.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن عكرمة، قال: هم الذين يعينون الرجل من ولده وخدمه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة ( وَحَفَدَةً ) قال: الحَفَدَة: من خدمك مِنْ ولدك.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سلام بن سليم، وقيس عن سِماك، عن عكرمة، قال: هم الخدم.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد ، قال: ثنا سلام أبو الأحوص، عن سِماك، عن عكرمة، مثله.
حدثني محمد بن خالد، قال: ثني سلمة، عن أبي هلال، عن الحسن، في قوله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: البنين وبني البنين، مَنْ أعانك من أهل وخادم فقد حفدك.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، قال: هم الخَدَم.
حدثني محمد بن خالد وابن وكيع، ويعقوب بن إبراهيم، قالوا: ثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الحَفَدة: الخَدَم.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، جميعا عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: ابنه وخادمه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: أنصارًا وأعوانًا وخدامًا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: الحفدة: الخدم.
حدثنا ابن بشار مرّة أخرى، قال: ابنه وخادمه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) مهنة يمهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامة أكرمكم الله بها.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السُّديّ، عن أبي مالك: الحَفَدَة، قال: الأعوان.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة، قال: الذين يعينونه.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن الحكَم بن أبان، عن عكرمة، في قوله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التيميّ، عن أبيه، عن الحسن، قال: الحَفَدَة: الخَدَم.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن عكرمة ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: ولده الذين يعينونه.
وقال آخرون: هم ولد الرجل وولد ولده.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَحَفَدَةً ) قال: هم الولد وولد الولد.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد وسعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الحَفَدَة: البنون.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غُنْدَر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك، قال حميد:حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْبأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمال (13)حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) قال: الحَفَدَة: الخدم من ولد الرجل هم ولده، وهم يخدمونه ؛ قال: وليس تكون العبيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبد ، إنما الحَفَدَة: ولد الرجل وخدمه.
حُدثت عن الحسين بن الفَرَج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( بَنِينَ وَحَفَدَةً ) يعني: ولد الرجل يحفِدونه ويخدُمونه، وكانت العرب إنما تخدمهم أوْلادهم الذكور.
وقال آخرون: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) يقول: بنو امرأة الرجل ليسوا منه ، ويقال: الحَفَدَة: الرجل يعمل بين يدي الرجل، يقول: فلان يحفد لنا، ويزعم رجال أن الحَفَدَة أخْتان (14) الرجل.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر عباده معرفهم نعمه عليهم، فيما جعل لهم من الأزواج والبنين، فقال تعالى ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) فأعلمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفَدة، والحفَدة في كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسَقة: جمع فاسق.
والحافد في كلامهم ؛ هو المتخفِّف في الخدمة والعمل.
والحَفْد: خفة العمل يقال: مرّ البعير يَحفِد حفَدَانا: إذا مرّ يُسرع في سيره.
ومنه قولهم: " إليك نسعى ونحفِد ": أي نسرع إلى العمل بطاعتك.
يقال منه: حَفد له يحفد حفدا وحفودا وحفدانا ومنه قول الراعي:كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقا يَمَانيَّةًإذا الحُدَاةُ على أكْسائها حَفَدُوا (15)وإذ كان معنى الحفدة ما ذكرنا من أنهم المسرعون في خدمة الرجل ، المتخففون فيها، وكان الله تعالى ذكره أخبرنا أن مما أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلحون للخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا وخدمنا من مماليكنا إذا كانوا يحفدوننا ، فيستحقون اسم حفدة، ولم يكن الله تعالى دلّ بظاهر تنزيله ، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولا بحجة عقل، على أنه عنى بذلك نوعا من الحفدة ، دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علينا، لم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى خاص من الحفدة دون عام، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم.
وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا وجه في الصحة ، ومَخْرج في التأويل.
وإن كان أولى بالصواب من القول ما اخترنا ، لما بيَّنا من الدليل.
وقوله ( وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) يقول: ورزقكم من حلال المعاش والأرزاق والأقوات ، ( أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ) يقول تعالى ذكره: يحرّم عليهم أولياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل، فيصدّق هؤلاء المشركون بالله ( وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) يقول: وبما أحلّ الله لهم من ذلك ، وأنعم عليهم بإحلاله، يكفرون ، يقول: ينكرون تحليله، ويجحدون أن يكون الله أحله.
------------------------الهوامش:(12) استشهد بالبيت أبو عبيدة في مجاز القرآن: (1 : 364) ونسبه لجميل بن عبد الله بن معمر العذري.
قال عند قوله تعالى: (بنين وحفدة): أعواناً وخداما، قال جميل: "حفد الولائد.
الخ" واحدهم حافد مخرج كامل.
والجميع: كملة وقال في (اللسان: حفد) يحفد بالكسر حفدا، وحفدانا.
واحتفد: خف في العمل وأسرع.
وحفد يحفد حفدا: خدم.
الأزهري: الحفد في الخدمة والعمل: الخفة، وأنشد (حفد الولائد.
) البيت.
(13) سبق الاستشهاد بالبيت قريبا في صفحة 144 فراجعه ثمة.
(14) الأختان: جمع ختن، بسكون التاء، وهو زوج بنت الرجل.
(15) الأكساء: واحدها كسى، بوزن قفل، وهو مؤخر العجز، أو مؤخر كل شيء، والجمع أكساء (اللسان: كسا).
وقال في (كسأ): كسء كل شيء وكسوءه: مؤخره.
وكسء الشهر وكسوءه: آخره، قدر عشر بقين منه.
وأنشد أبو عبيدة:كلفت مجهولها.
إذا الحداد.
حفدواولعل الحداد في رواية الأزهري محرفة عن الحداة.