الآية 72 من سورة المؤمنون
قال تعالى: (أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ خَرۡجٗا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيۡرٞۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ) [المؤمنون - الآية 72]
تفسير جلالين
«أم تسألهم خرجا» أجرا على ما جئتهم به من الإيمان «فخراج ربك» أجره وثوابه ورزقه «خير» وفي قراءة خرجا في الموضعين وفي قراءة أخرى خراجا فيهما «وهو خير الرازقين» أفضل من أعطى وآجر.
تفسير السعدي
أي: أو منعهم من اتباعك يا محمد، أنك تسألهم على الإجابة أجرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يتكلفون من اتباعك، بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج، ليس الأمر كذلك فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وهذا كما قال الأنبياء لأممهم: يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الله أي: ليسوا يدعون الخلق طمعا فيما يصيبهم منهم من الأموال، وإنما يدعون نصحا لهم، وتحصيلا لمصالحهم، بل كان الرسل أنصح للخلق من أنفسهم، فجزاهم الله عن أممهم خير الجزاء، ورزقنا الاقتداء بهم في جميع الأحوال.
تفسير بن كثير
وقوله : ( أم تسألهم خرجا ) : قال الحسن : أجرا.
وقال قتادة : جعلا ( فخراج ربك خير ) أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلا ولا شيئا على دعوتك إياهم إلى الهدى ، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه ، كما قال : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ) [ سبأ : 47 ] ، وقال : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) ، وقال : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) [ الشورى : 23 ] ، وقال تعالى : ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) [ يس : 20 ، 21 ].
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم انتقلت السورة الكريمة- للمرة الخامسة- إلى توبيخهم على كفرهم، مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يسألهم أجرا على ما ينقذهم من ظلمات هذا الكفر إلى نور الإيمان.
فقال- تعالى-: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً.
أى: أجرا وجعلا وجزاء.
أى: أيكون السبب في عدم إيمانهم بك- أيها الرسول الكريم- أنك تسألهم أجرا على دعوتك لهم إلى إخلاص العبادة لنا؟.
لا: ليس الأمر كما يتوهمون، فإنك لم تسألهم أجرا على دعوتك إياهم إلى الدخول في الإسلام.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ.
وما بينهما اعتراض وقوله- سبحانه-: فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تعليل لنفى سؤاله إياهم الأجر على دعوتهم إلى الحق.
أى: أنت- أيها الرسول الكريم- ما طالبتهم بأجر على دعوتك إياهم إلى الإيمان بالله- تعالى- وحده، لأن ما أعطاك الله- تعالى- من خير وفضل أكبر وأعظم من عطاء هؤلاء الضعفاء الذين لا يستغنون أبدا عن عطائنا.
والله- تعالى- هو خير الرازقين، لأن رزقه دائم ورزق غيره مقطوع، ولأنه هو المالك لجميع الأرزاق، وغيره لا يملك معه شيئا.
قال بعض العلماء: المراد بالخرج والخراج هنا.
الأجر والجزاء والمعنى: أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيرى الدنيا والآخرة أجرا وأصل الخرج والخراج: هو ما تخرجه إلى كل عامل في مقابلة أجرة أو جعل.
وقرأ ابن عامر: أم تسألهم خراجا فخراج ربك خير- بإسكان الراء فيهما معا وحذف الألف-.
وقرأ حمزة والكسائي: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ- بفتح الراء بعدها ألف فيهما معا وقرأ الباقون: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ بإسكان الراء وحذف الألف في الأول وفتح الراء وإثبات الألف في الثاني.
والتحقيق: أن معنى اللفظين واحد، وأنهما لغتان فصيحتان، وقراءتان سبعيتان، خلافا لمن زعم أن بين معناهما فرقا زاعما أن الخرج ما تبرعت به، وأن الخراج ما لزمك أداؤه».
تفسير البغوي
( أم تسألهم ) على ما جئتهم به ، ( خرجا ) أجرا وجعلا ( فخراج ربك خير ) أي : ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير ، ( وهو خير الرازقين ) قرأ حمزة والكسائي : " خراجا " " فخراج " كلاهما بالألف ، وقرأ ابن عامر كلاهما بغير ألف ، وقرأ الآخرون : " خرجا " بغير ألف " فخراج " بالألف.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقينقوله تعالى : أم تسألهم خرجا أي أجرا على ما جئتهم به ؛ قال الحسن ، وغيره.
فخراج ربك خير ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، والأعمش ، ويحيى بن وثاب ( خراجا ) بألف.
الباقون بغير ألف.
وكلهم قد قرءوا فخراج بالألف إلا ابن عامر ، وأبا حيوة فإنهما قرآ بغير الألف.
والمعنى : أم تسألهم رزقا فرزق ربك خير.
وهو خير الرازقين أي ليس يقدر أحد أن يرزق مثل رزقه ، ولا ينعم مثل إنعامه.
وقيل : أي ما يؤتيك الله من الأجر على طاعتك له ، والدعاء إليه خير من عرض الدنيا ، وقد عرضوا عليك أموالهم حتى تكون كأعين رجل من قريش فلم تجبهم إلى ذلك ؛ قال معناه الحسن.
والخرج والخراج واحد ، إلا أن اختلاف الكلام أحسن ؛ قاله الأخفش.
وقال أبو حاتم : الخرج الجعل ، والخراج العطاء.
المبرد : الخرج المصدر ، والخراج الاسم.
وقال النضر بن شميل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخراج ما لزمك ، والخرج ما تبرعت به.
وعنه أن الخرج من الرقاب ، والخراج من الأرض.
ذكر الأول الثعلبي ، والثاني الماوردي.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمد من قومك خراجا، يعني أجرا على ما جئتهم به من عند الله من النصيحة والحقّ;( فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) فأجر ربك على نفاذك لأمره، وابتغاء مرضاته خير لك من ذلك، ولم يسألهم صلى الله عليه وسلم على ما أتاهم به من عند الله أجرا، قال لهم كما قال الله له، وأمره بقيله لهم: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وإنما معنى الكلام: أم تسألهم على ما جئتهم به أجرا، فنكصوا على أعقابهم إذا تلوته عليهم، مستكبرين بالحرم، فخراج ربك خير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: ( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ) قال: أجرا.
حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن، مثله.
وأصل الخراج والخرج: مصدران لا يجمعان.
وقوله: (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يقول: والله خير من أعطى عوضا على عمل ورزق رزقا.