الآية 54 من سورة الأحزاب
قال تعالى: (إِن تُبۡدُواْ شَيۡـًٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا) [الأحزاب - الآية 54]
تفسير جلالين
«إن تبدوا شيئا أو تخفوه» من نكاحهنَّ بعده «فإن الله كان بكل شيءٍ عليماً» فيجازيكم عليه.
تفسير السعدي
ثم قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أي تظهروه أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا يعلم ما في قلوبكم، وما أظهرتموه، فيجازيكم عليه.
تفسير بن كثير
ثم قال : ( إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ) أي : مهما تكنه ضمائركم وتنطوي عليه سرائركم ، فإن الله يعلمه; فإنه لا تخفى عليه خافية ، ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [ غافر : 19 ].
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم حذرهم- سبحانه- من مخالفة أمره، بأن بين لهم بأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء، من أمرهم، فقال: إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً بأن تظهروه على ألسنتكم أَوْ تُخْفُوهُ بأن تضمروه في قلوبكم، فإنه في الحالين لا يعزب عن علمنا، وسنحاسبكم عليه، فَإِنَّ اللَّهَ- تعالى- كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً بحيث لا يخفى عليه شيء، في الأرض ولا في السماء.
هذا وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة التي تسمى بآية الحجاب، جملة من الأحكام والآداب منها:1- وجوب الاستئذان عند دخول البيوت لتناول طعام، ووجوب الخروج بعد تناوله إلا إذا كانت هناك ضرورة تدعو للبقاء، كما أن من الواجب الحضور إلى الطعام في الوقت المناسب له، وليس قبله انتظارا لنضجه وتقديمه.
2- حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء سواء أكان ذلك في الطعام أم في غيره، فقد أمر- سبحانه- المؤمنين، إذا سألوا أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا أن يسألوهن من وراء حجاب، وعلل ذلك بأن سؤالهن بهذه الطريقة، يؤدى إلى طهارة القلوب، وعفة النفوس، والبعد عن الريبة وخواطر السوء.
وحكم نساء المؤمنين في ذلك كحكم أمهات المؤمنين، لأن قوله- سبحانه- ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ علة عامة تدل على تعميم الحكم، إذ جميع الرجال والنساء في كل زمان ومكان في حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب، وأعف للنفوس.
قال بعض العلماء ما ملخصه: وقوله: ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من العقلاء، إن غير ازواج النبي صلّى الله عليه وسلّم لا حاجة هن إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهن.
فالجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأمهات المؤمنين، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه.
3- كذلك أخذ العلماء من هذه الآية أنه لا يجوز للرجل الأجنبى أن يصافح امرأة أجنبية عنه.
ولا يجوز له أن يمس شيء من بدنه شيئا من بدنها.
والدليل على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثبت عنه أن قال: «إنى لا أصافح النساء» والله- تعالى- يقول: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
فيلزمنا أن لا نصافح النساء الأجنبيات اقتداء به صلّى الله عليه وسلم.
4- تكريم الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ودفاعه عنه، وإلزام المؤمنين بالعمل على كل ما يرضيه ولا يؤذيه، وبعدم نكاح أزواجه من بعده أبدا.
ثم استثنت السورة الكريمة بعض الأصناف الذين يجوز للمرأة أن تظهر أمامهم بدون حجاب، وبينت سمو منزلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأكدت التحذير من إيذائه، ومن إيذاء المؤمنين والمؤمنات، وأمرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرشد أزواجه وبناته ونساء المؤمنين إلى وجوب الاحتشام في ملابسهن.
فقال- تعالى-:.
تفسير البغوي
( إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ) نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل : قال رجل من الصحابة : ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا ؟ فنزلت هذه الآية.
ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب : ونحن أيضا نكلمهن من وراء الحجاب ؟ فأنزل الله :.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما.
البارئ سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفي وما كان وما لم يكن ، لا يخفى عليه ماض تقضى ، ولا مستقبل يأتي.
وهذا على العموم تمدح به ، وهو أهل المدح والحمد.
والمراد به هاهنا التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الآية قبلها ، ممن أشير إليه بقوله : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، ومن أشير إليه في قوله : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا فقيل لهم في هذه الآية : إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها.
فصارت هذه الآية منعطفة على ما قبلها مبينة لها.
والله أعلم.
تفسير الطبري
القول في تأويل قوله تعالى : إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)يقول تعالى ذكره: إن تظهروا بألسنتكم شيئًا أيها الناس من مراقبة النساء، أو غير ذلك مما نهاكم عنه أو أذى لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقول: لأتزوجن زوجته بعد وفاته، (أَوْ تُخْفُوهُ) يقول: أو تخفوا ذلك في أنفسكم، (فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) يقول: فإن الله بكل ذلك وبغيره من أموركم وأمور غيركم، عليم لا يخفى عليه شيء، وهو يجازيكم على جميع ذلك.