الآية 53 من سورة المؤمنون
قال تعالى: (فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ) [المؤمنون - الآية 53]
تفسير جلالين
«فتقطعوا» أي الأتباع «أمرهم» دينهم «بينهم زبرا» حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم «كل حزب بما لديهم» أي عندهم من الدين «فرحون» مسرورون.
تفسير السعدي
، ولكن أبى الظالمون المفترقون إلا عصيانا، ولهذا قال: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا أي: تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء أَمْرُهُمْ أي: دينهم بَيْنَهُمْ زُبُرًا أي: قطعا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ أي: بما عندهم من العلم والدين فَرِحُونَ يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحق، مع أن المحق منهم، من كان على طريق الرسل، من أكل الطيبات، والعمل الصالح، وما عداهم فإنهم مبطلون.
تفسير بن كثير
وقوله : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) أي : الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء ، ( كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : يفرحون بما هم فيه من الضلال; لأنهم يحسبون أنهم مهتدون;.
تفسير الوسيط للطنطاوي
والفاء في قوله- تعالى-: فَتَقَطَّعُوا لترتيب حالهم وما هم عليه من تفرق وتنازع واختلاف، على ما سبق من أمرهم بالتقوى، واتباع ما جاءهم به الرسل.
وضمير الجمع يعود إلى الأقوام السابقين الذين خالفوا رسلهم، وتفرقوا شيعا وأحزابا.
وقوله زُبُراً حال من هذا الضمير.
ومفردة زبرة- كغرفة- بمعنى: قطعة.
والمراد به هنا: طائفة من الناس.
والمراد بأمرهم: أمر دينهم الذي هو واحد في الأصل.
أى: أن هؤلاء الأقوام الذين جاء الرسل لهدايتهم، لم يتبعوا دين رسلهم بل تفرقوا في شأنه شيعا وأحزابا، فمنهم أهل الكتاب الذين قال بعضهم: عزير ابن الله، وقال بعضهم:المسيح ابن الله، ومنهم المشركون الذين عبدوا من دون الله- تعالى- أصناما لا تضر ولا تنفع، وصار كل حزب من هؤلاء المعرضين عن الحق، مسرورا بما هو عليه من باطل، وفرحا بما هو فيه من ضلال.
والآية القرآنية بأسلوبها البديع، تسوق هذا التنازع من هؤلاء الجاهلين في شأن الدين الواحد، في صورة حسية، يرى المتدبر من خلالها، أنهم تجاذبوه فيما بينهم، حتى قطعوه في أيديهم قطعا، ثم مضى كل فريق منهم بقطعته وهو فرح مسرور، مع أنه- لو كان يعقل- لما انحدر إلى هذا الفعل القبيح، ولما فرح بعمل شيء من شأنه أن يحزن له كل عاقل.
تفسير البغوي
( فتقطعوا أمرهم ) دينهم ، ( بينهم ) أي : تفرقوا فصاروا فرقا ، يهودا ونصارى ومجوسا ، ( زبرا ) أي : فرقا وقطعا مختلفة ، واحدها زبور وهو الفرقة والطائفة ، ومثله الزبرة وجمعها زبر ، ومنه : " زبر الحديد " ( الكهف - 96 ).
أي : صاروا فرقا كزبر الحديد.
وقرأ بعض أهل الشام " زبرا " بفتح الباء ، قال قتادة ومجاهد " زبرا " أي : كتبا ، يعني دان كل فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخرون.
وقيل : جعلوا كتبهم قطعا مختلفة ، آمنوا بالبعض ، وكفروا بالبعض ، وحرفوا البعض ، ( كل حزب بما لديهم ) بما عندهم من الدين ، ( فرحون ) معجبون ومسرورون.
تفسير القرطبي
فتقطعوا أي افترقوا ، يعني الأمم ، أي جعلوا دينهم أديانا بعد ما أمروا بالاجتماع.
ثم ذكر تعالى أن كلا منهم معجب برأيه وضلالته وهذا غاية الضلال.
الرابعة : هذه الآية تنظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة وهي الجماعة الحديث.
خرجه أبو داود ، ورواه الترمذي وزاد : قالوا ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي خرجه من حديث عبد الله بن عمرو.
وهذا يبين أن الافتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده ، لأنه قد أطلق عليها مللا ، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار.
ومثل هذا لا يقال في الفروع ، فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار ؛ قال الله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.
قوله تعالى : زبرا يعني كتبا وضعوها وضلالات ألفوها ؛ قاله ابن زيد.
وقيل : إنهم فرقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف ، وفرقة التوراة ، وفرقة الزبور ، وفرقة الإنجيل ، ثم حرف الكل وبدل ؛ قاله قتادة.
وقيل : أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه.
و زبرا بضم الباء قراءة نافع ، جمع زبور.
والأعمش ، وأبو عمرو بخلاف عنه زبرا بفتح الباء ، أي قطعا كقطع الحديد ؛ كقوله تعالى : آتوني زبر الحديد.
كل حزب أي فريق وملة.
بما لديهم أي عندهم من الدين.
فرحون أي معجبون به.
تفسير الطبري
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( زُبُرًا ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق: ( زُبُرًا ) بمعنى جمع الزبور.
فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء: فتفرّق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد والملة الواحدة، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه ( زُبُرًا ) كتبا، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذين دان به الفريق الآخر، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذّبوا بحكم الإنجيل والقرآن، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم ، وكذبوا بحكم الفرقان.
* ذكر من تأول ذلك كذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( زُبُرًا ) قال: كتبا.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( بَيْنَهُمْ زُبُرًا ) قال: كتب الله فرقوها قطعا.
* - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ) قال مجاهد: كتبهم فرقوها قطعا.
وقال آخرون من أهل هذه القراءة: إنما معنى الكلام: فتفرقوا دينهم بينهم كتبا أحدثوها يحتجون فيها لمذهبهم.
*ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) قال: هذا ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب، كلّ معجبون برأيهم، ليس أهل هواء إلا وهم معجبون برأيهم وهواهم وصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم.
وقرأ ذلك عامة قرّاء الشام ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبَرًا ) بضم الزاي وفتح الباء، بمعنى: فتفرّقوا أمرهم بينهم قِطَعا كزُبَر الحديد، وذلك القطع منها واحدتها زبرة، من قول الله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ فصار بعضهم يهودا ، ويعضهم نصارى.
والقراءة التي نختار في ذلك قراءة من قرأه بضم الزاي والباء؛ لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك؛ لأن الزبُر هي الكتب، يقال منه: زبرت الكتاب: إذ كتبته.
فتأويل الكلام: فتفرّق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم دينهم بينهم كتبًا كما بيَّنا قبل.
وقوله: ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) يقول: كل فريق من تلك الأمم ، بما اختاروه لأنفسهم من الدين والكتب ، فرحون معجبون به، لا يرون أن الحقّ سواه.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني &; 19-43 &; الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) : قطعة وهؤلاء هم أهل الكتاب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ( كُلُّ حِزْبٍ ) قطعة أهل الكتاب.