الآية 5 من سورة فاطر
قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ) [فاطر - الآية 5]
تفسير جلالين
«يا أيها الناس إن وعد الله» بالبعث وغيره «حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا» من الإيمان بذلك «ولا يغرنكم بالله» في حلمه وإمهاله «الغرور» الشيطان.
تفسير السعدي
يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والجزاء على الأعمال، حَقٌّ أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ.
تفسير بن كثير
ثم قال : ( يا أيها الناس إن وعد الله حق ) أي : المعاد كائن لا محالة ، ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ) أي : العيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا تتلهوا عن ذلك الباقي بهذه الزهرة الفانية ، ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) وهو الشيطان.
قاله ابن عباس.
أي : لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فإنه غرار كذاب أفاك.
وهذه الآية كالآية التي في آخر لقمان : ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) [ لقمان : 33 ].
قال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو الشيطان.
كما قال : يقول المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ( بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ) [ الحديد : 13 ، 14 ].
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم وجه- سبحانه- نداء ثانيا إلى الناس.
بين لهم فيه أن البعث حق، وأن من الواجب عليهم أن يستعدوا لاستقبال هذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح فقال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.
أى: إن ما وعدكم الله- تعالى- به من البعث والحساب والثواب والعقاب، حق لا ريب فيه، وما دام الأمر كذلك، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا أى: فلا تخدعنكم بمتعها، وشهواتها، ولذائذها، فإنها إلى زوال وفناء، ولا تشغلنكم هذه الحياة الدنيا من أداء ما كلفكم- سبحانه- بأدائه من فرائض وتكاليف.
وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أى: ولا يخدعنكم عن طاعة ربكم، ومالك أمركم الْغَرُورُ.
أى: الشيطان المبالغ في خداعكم، وفي صرفكم عن كل ما هو خير وبر.
فالمراد بالغرور هنا: الشيطان الذي أقسم بالأيمان المغلظة، بأنه لن يكف عن إغواء بنى آدم، وعن تزيين الشرور والآثام لهم.
فالمقصود بالآية الكريمة تذكير الناس بيوم القيامة وما فيه من أهوال.
وتحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان، فإنه لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر.
تفسير البغوي
( يا أيها الناس إن وعد الله حق ) يعني وعد يوم القيامة ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) وهو الشيطان.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
قوله تعالى : يا أيها الناس إن وعد الله هذا وعظ للمكذبين للرسول بعد إيضاح الدليل على صحة قوله : إن البعث والثواب والعقاب حق.
فلا تغرنكم الحياة الدنيا قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة ، حتى يقول : يا ليتني قدمت لحياتي.
ولا يغرنكم بالله الغرور قال ابن السكيت وأبو حاتم : الغرور الشيطان.
وغرور جمع غر ، وغر مصدر.
ويكون الغرور مصدرا وهو بعيد عند غير أبي إسحاق ; لأن ( غررته ) متعد ، والمصدر المتعدي إنما هو على فعل ; نحو : ضربته ضربا ، إلا في أشياء يسيرة لا يقاس عليها ; قالوا : لزمته لزوما ، ونهكه المرض نهوكا.
فأما معنى الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير ، قال : الغرور بالله أن يكون الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنى على الله المغفرة.
وقراءة العامة الغرور ( بفتح الغين ) وهو الشيطان ; أي لا يغرنكم بوساوسه في أنه يتجاوز عنكم لفضلكم.
وقرأ أبو حيوة وأبو السمال العدوي ومحمد بن السميقع الغرور ( برفع الغين ) وهو الباطل ; أي لا يغرنكم الباطل.
وقال ابن السكيت : والغرور ( بالضم ) ما اغتر به من متاع الدنيا.
قال الزجاج : ويجوز أن يكون الغرور جمع غار ; مثل قاعد وقعود.
النحاس : أو جمع غر ، أو يشبه بقولهم : نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما.
الزمخشري : أو مصدر ( غره ) كاللزوم والنهوك.
تفسير الطبري
وقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) يقول تعالى ذكره لمشركي قريش المكذبي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها الناس إن وعد الله إياكم بأسه على إصراركم على الكفر به، وتكذيب رسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وتحذيركم نزول سطوته بكم على ذلك، حق، فأيقنوا بذلك وبادروا حلول عقوبتكم بالتوبة والإنابة إلى طاعة الله والإيمان به وبرسوله ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) يقول: فلا يغرنكم ما أنتم فيه من العيش في هذه الدنيا ورياستكم التي تترأسون بها في ضعفائكم فيها عن اتباع محمد والإيمان ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يقول: ولا يخدعنكم بالله الشيطان، فيمنيكم الأماني، ويعدكم من الله العدات الكاذبة، ويحملكم على الإصرار على كفركم بالله.
كما حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يقول: الشيطان.