تفسير: فالمدبرات أمرا، الآية 5 من سورة النازعات

الآية 5 من سورة النازعات

قال تعالى: (فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا) [النازعات - الآية 5]

تفسير جلالين

«فالمدبرات أمرا» الملائكة تدبر أمر الدنيا، أي تنزل بتدبيره، وجواب هذه الأقسام محذوف، أي لتبعثنَّ يا كفار مكة وهو عامل في.

تفسير السعدي

فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا الملائكة، الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيرا من أمور العالم العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار [وغير ذلك].

تفسير بن كثير

وقوله : ( فالمدبرات أمرا ) قال علي ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو صالح ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي : هي الملائكة ، زاد الحسن : تدبر الأمر من السماء إلى الأرض.

يعني : بأمر ربها - عز وجل -.

ولم يختلفوا في هذا ، ولم يقطع ابن جرير بالمراد في شيء من ذلك ، إلا أنه حكى في ( فالمدبرات أمرا ) أنها الملائكة ، ولا أثبت ولا نفى.

تفسير الوسيط للطنطاوي

وقوله : ( فالمدبرات أَمْراً ) المقصود به طائفة خامسة من الملائكة ، من وظائفهم تدبير شأن الخلائق ، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التى يأمرهم - سبحانه - بها ، فنسبة التدبير إليهم ، إنما هى على سبيل المجاز ، لأن كل شئ فى هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره.

والمراد بالأمر : الشأن والغرض المهم ، وتنوينه للتعظيم ، ونصبه على المفعولية للفظ المدبرات.

أى : وحق الملائكة الذين يرتبون شئون الخلائق ، وينظمون أمورهم بالطريقة التى يكلفهم - سبحانه - بها.

وجاء العطف فى قوله : ( فالسابقات ) ( فالمدبرات ) بالفاء ، للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها بغير مهلة.

وللإِيذان بأن هاتين الصفتين متفرعتين عما قبلهما.

وعلى هذا التفسير الذى سرنا فيه على أن هذه الصفات لموصوف واحد ، سار كثير من المفسرين : فصاحب الكشاف صدر تفسيره لهذه الآيات بقوله : أقسم - سبحانه - بطوائف الملائكة ، التى تنزع الأرواح من الأجساد وبالطوائف التى تنشطها ، أى تخرجها.

بالطوائف التى تسبح فى مضيها ، أى : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم فى دنيهم ودنياهم ، كما رسم الله - تعالى - لهم.

وأسند التدبير إليهم - أى إلى الملائكة - لأنهم من أسبابه.

وقال الشوكانى : أقسم - سبحانه - بهذه الأشياء التى ذكرها ، وهى الملائكة التى تنزع أرواح العباد عن أجسادهم ، كما ينزع النازع القوس فيبلغ بها غاية المد ، وكذا المراد بالناشطات ، والسابحات ، والسابقات ، والمدبرات ، يعنى الملائكة ، والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفى ، منزلة التغاير الذاتى ، كما فى قول الشاعر :إلى الملك القرم ، وابن الهام.

وليث الكتيبة فى المزدحموهذا قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم.

ومنهم من يرى أن المراد بالنازعات : النجوم تنتقل من مكان إلى مكان ، أو الأقواس التى تنزع السهام ، أو الغزاة ينزعون من دار الإِسلام إلى دار الحرب.

ومنهم من يرى أن المراد بالناشطات : الكواكب السيارة ، أو السفن التى تمخر عباب الماء.

وأن المراد بالسابحات والسابقات : النجوم ، أو الشمس والقمر ، والليل والنهار.

أما المدبرات فقد أجمعوا على أن المراد بها الملائكة.

قال الجمل : اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الكلمات ، هل هى صفات لشئ واحد ، أو لأشياء مختلفة ، على أوجه : واتفقوا على أن المراد بقوله : ( فالمدبرات أَمْراً ) وصف لشئ واحد ، وهم الملائكة.

ويبدو لنا أن كون هذه الصفات جميعها لشئ واحد ، هو الملائكة ، أقرب إلى الصواب لأنه المأثور عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

تفسير البغوي

( فالمدبرات أمرا ) قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله - عز وجل - العمل بها.

قال [ عبد الرحمن ] بن سابط : يدبر [ الأمور ] في الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل ، عليهم السلام ، أما جبريل : فموكل بالريح والجنود ، وأما ميكائيل : فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت : فموكل بقبض [ الأرواح ] وأما إسرافيل : فهو ينزل بالأمر عليهم.

وجواب هذه الأقسام محذوف ، على تقدير : لتبعثن ولتحاسبن.

وقيل : جوابه [ قوله ] " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ".

وقيل : فيه تقديم [ وتأخير ] تقديره : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة والنازعات غرقا.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : فالمدبرات أمرا قال القشيري : أجمعوا على أن المراد الملائكة.

وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما الملائكة ; قال الجمهور : والقول الثاني هي الكواكب السبعة.

حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل.

وفي تدبيرها الأمر وجهان : أحدهما : تدبير طلوعها وأفولها.

الثاني : تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال.

وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره ، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أمر العالم بحركات النجوم ، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله ، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره.

وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة ، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله ; قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما.

وهو إلى الله جل ثناؤه ، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك ; كما قال - عز وجل - : نزل به الروح الأمين.

وكما قال تعالى : فإنه نزله على قلبك.

يعني جبريل نزله على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والله - عز وجل - هو الذي أنزله وروى عطاء عن ابن عباس : فالمدبرات أمرا : الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك.

قال عبد الرحمن بن ساباط : تدبير أمر الدنيا إلى أربعة ; جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم ، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام.

وقيل : أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها.

ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لنا ذلك إلا به - عز وجل -.

وجواب القسم مضمر ، كأنه قال : والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن.

أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى ; قاله الفراء.

ويدل عليه قوله تعالى : أئذا كنا عظاما نخرة ألست ترى أنه كالجواب لقولهم : أئذا كنا عظاما نخرة نبعث ؟ فاكتفى بقوله : أئذا كنا عظاما نخرة ؟ وقال قوم : وقع القسم على قوله : إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وهذا اختيار الترمذي بن علي.

أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى ولكن وقع القسم على ما في السورة مذكورا ظاهرا بارزا أحرى وأقمن من أن يؤتى بشيء ليس بمذكور فيما قال ابن الأنباري : وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال فيما بينهما.

وقيل : جواب القسم هل أتاك حديث موسى لأن المعنى قد أتاك.

تفسير الطبري

وقوله: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا يقول: فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله ، وكذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا قال: هي الملائكة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.