الآية 42 من سورة الحجر
قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ) [الحجر - الآية 42]
تفسير جلالين
وهو «إن عبادي» أي المؤمنين «ليس لك عليهم سلطان» قوة «إلا» لكن «من اتبعك من الغاوين» الكافرين.
تفسير السعدي
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات، بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره أعانهم الله وعصمهم من الشيطان.
إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن، مِنَ الْغَاوِينَ والغاوي: ضد الراشد فهو الذي عرف الحق وتركه، والضال: الذي تركه من غير علم منه به.
تفسير بن كثير
وقوله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) أي : الذين قدرت لهم الهداية ، فلا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، ( إلا من اتبعك من الغاوين ) استثناء منقطع.
وقد أورد ابن جرير هاهنا من حديث عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن موهب حدثنا يزيد بن قسيط قال : كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله - يعني - : إبليس حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
[ فقال عدو الله : أرأيت الذي تعوذ منه ؟ فهو هو.
فقال النبي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ] قال : فردد ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين ؟ فأخذ كل [ واحد ] منهما على صاحبه ، فقال النبي : إن الله تعالى يقول : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد.
قال النبي : ويقول الله : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك.
قال عدو الله : صدقت ، بهذا تنجو مني.
فقال النبي : " أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم " ؟ قال : آخذه عند الغضب والهوى.
تفسير الوسيط للطنطاوي
قال- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا.
قال الآلوسى وقوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.
أى تصرف وتسلط، والمراد بالعباد المشار إليهم بالمخلصين، فالإضافة للعهد والاستثناء على هذا في قوله إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ منقطع.
واختار هذا غير واحد.
وجوز أن يكون بالعباد العموم والاستثناء متصل، والكلام كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين، ولذا لم يعطف على ما قبله، وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين، بجعلهم هم الباقين بعد الاستثناء.
».
تفسير البغوي
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، أي : قوة.
قال أهل المعاني : يعني على قلوبهم.
وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال : معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي ، وهؤلاء ثنية الله الذين هداهم الله واجتباهم.
إلا من اتبعك من الغاوين.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قال العلماء : يعني على قلوبهم.
وقال ابن عيينة : أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم.
وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم.
قلت : لعل قائلا يقول : قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء - عليهما السلام - بقوله : فأزلهما الشيطان وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله : إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا فالجواب ما ذكر ، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم ، ولا موضع إيمانهم ، ولا يلقيهم في ذنب يئول إلى عدم القبول ، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة.
ولم يكن خروج آدم عقوبة لما تناول ; على ما تقدم في " البقرة " بيانه.
وأما أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد مضى القول عنهم في آل عمران.
ثم إن قوله سبحانه : ليس لك عليهم سلطان يحتمل أن يكون خاصا فيمن حفظه الله ، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال ، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة ; كما فعل ببلال ، إذ أتاه يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ، ونام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس ، وفزعوا وقالوا : ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا ؟ فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ليس في النوم تفريط ففرج عنهم.
إلا من اتبعك من الغاوين أي الضالين المشركين.
أي سلطانه على هؤلاء ; دليله إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون.
الثانية : وهذه الآية والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل ; مثل أن يقول : عشرة إلا درهما.
أو يقول : عشرة إلا تسعة.
وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلا قدر النصف فما دونه.
وأما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح.
ودليلنا هذه الآية ، فإن فيها استثناء الغاوين من العباد والعباد من الغاوين ، وذلك يدل على أن استثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز.
تفسير الطبري
وقوله ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) يقول تعالى ذكره: إن عبادي ليس لك عليهم حجة، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبيد الله بن موهب، قال ثنا يزيد بن قسيط، قال: كانت الأنبياء لهم مساجد خارجة من قُراهم، فإذا أراد النبيّ أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده، فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينما نبيّ في مسجده، إذا جاء عدوّ الله حتى جلس بينه وبين القبلة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، فقال عدوّ الله: أرأيت الذي تعوَّذ منه فهو هو ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أعُوذُ باللَّهِ مِن الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فردّد ذلك ثلاث مرّات ، فقال عدوّ اللَّه: أخبرني بأيّ شيء تنجو مني ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَخْبِرْني بأيّ شيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ ، مرّتين ، فأخذ كلّ واحد منهما على صاحبه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ تعالى ذِكْرُهُ يقُولُ: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) قال عدوّ اللَّه: قد سمعت هذا قبل أن تولد ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ويقول اللَّهُ تَعالى ذِكْرُهُ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وإنّي والله ما أحْسَسْتُ بِكَ قَطُّ إلا اسْتَعذْتُ بالله مِنْكَ ، فقال عدوّ الله: صدقت بهذا تنجو مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأخْبِرْنِي بأيّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ؟ قال: آخذه عند الغضب، وعند الهوى.