الآية 40 من سورة الحجر
قال تعالى: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ) [الحجر - الآية 40]
تفسير جلالين
«إلا عبادك منهم المخلصين» أي المؤمنين.
تفسير السعدي
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ أي: الذين أخلصتهم واجتبيتهم لإخلاصهم، وإيمانهم وتوكلهم.
تفسير بن كثير
إلا عبادك منهم المخلصين " كقوله " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " " قال "الله تعالى له متهددا ومتوعدا.
تفسير الوسيط للطنطاوي
وقوله- سبحانه- إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ اعتراف من إبليس بأن من عباد الله- تعالى- قوما لا يستطيع أن يغويهم، ولا يقدر على إضلالهم.
وكلمة «المخلصين» قرأها نافع وحمزة وعاصم والكسائي- بفتح اللام-، فيكون المعنى: لأغوينهم أجمعين إلا عبادك الذين استخلصتهم لطاعتك، وصنتهم عن اقتراف ما نهيتهم عنه.
وقرأها ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو- بكسر اللام-، فيكون المعنى: لأضلنهم جميعا، إلا عبادك الذين أخلصوا لك العمل، وابتعدوا عن الرياء في أقوالهم وأفعالهم.
وهذا الاستثناء الذي اعترف به إبليس بعد أن أدرك أنه لا محيص له عنه- هو سنة الله- تعالى- في خلقه، فقد جرت سنته التي لا تغيير ولا تبديل لها، بأن يستخلص لذاته من يخلص له قلبه، وأن يرعى من يرعى حدوده، ويحفظ من يحفظ تكاليفه، ولذا كان جوابه - سبحانه- على إبليس، هو قوله- تعالى- قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ.
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ.
واسم الإشارة هذا يعود إلى الاستثناء السابق وهو قوله إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.
وقد اختار هذا الرأى الإمام الآلوسى فقال: قال الله- تعالى- هذا صِراطٌ عَلَيَّ أى: حق لا بد أن أراعيه مُسْتَقِيمٌ لا انحراف فيه فلا يعدل عنه إلى غيره.
والإشارة إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه وكلمة على تستعمل في الوجوب.
والمعتزلة يقولون به حقيقة لقولهم بوجوب الأصلح عليه- تعالى-.
وقال أهل السنة، إن ذلك وإن كان تفضلا منه- سبحانه- إلا أنه شبه بالحق الواجب لتأكد ثبوته وتحقق وقوعه، بمقتضى وعده- عز وجل-، فجيء بعلىّ لذلك».
ثم قال: وقرأ الضحاك ومجاهد ويعقوب.
هذا صِراطٌ عَلَيَّ- بكسر اللام وضم الياء المشددة وتنوينها- أى: عال لارتفاع شأنه».
وقد اختار صاحب الكشاف عودة اسم الإشارة إلى ما بعده فقال: قال الله- تعالى- هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ أى هذا طريق حق على أن أراعيه، وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي، إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته.
ويرى ابن جرير أن على هنا بمعنى إلى، فقد قال- رحمه الله- قوله- تعالى- هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ بمعنى هذا طريق إلى مستقيم.
فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلى، فأجازى كلا بأعمالهم، كما قال- تعالى- إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ وذلك نظير قول القائل لمن يتوعده ويتهدده: طريقك على وأنا على طريقك، فكذلك قوله هذا صِراطٌ معناه: هذا طريق علىّ وهذا طريق إلى.
ويبدو لنا أن الآية الكريمة مسوقة لبيان المنهاج القويم الذي كتبه الله- تعالى- على نفسه فضلا منه وكرما، والميزان العادل الذي وضعه- سبحانه- لتمييز الخبيث من الطيب.
فكأنه- سبحانه- يقول في الرد على إبليس الذي اعترف بعجزه عن إغواء المخلصين من عباد الله: يا إبليس، إن عدم قدرتك على إغواء عبادي المخلصين منهج قويم من مناهجى التي اقتضتها حكمتى وعدالتى ورحمتي، وسنة من سنني التي آليت على نفسي أن ألتزم بها مع خلقي.
إن عبادي المخلصين لا قوة ولا قدرة لك على إغوائهم، لأنهم حتى إذا مسهم طائف منك.
أسرعوا بالتوبة الصادقة إلى، فقبلتها منهم.
وغفرت لهم زلتهم.
ولكنك تستطيع إغواء أتباعك الذين استحوذت عليهم فانقادوا لك.
وفي هاتين الآيتين ما فيهما من التنويه بشأن عباد الله المخلصين، ومن المديح لهم بقوة الإيمان، وعلو المنزلة، وصدق العزيمة وضبط النفس.
تفسير البغوي
( إلا عبادك منهم المخلصين ) المؤمنين الذين أخلصوا لك الطاعة والتوحيد ، ومن فتح اللام ، أي : من أخلصته بتوحيدك واصطفيته.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : إلا عبادك منهم المخلصين قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام ; أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم.
وقرأ الباقون بكسر اللام ; أي الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء.
حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى - عليه السلام - عن المخلصين لله فقال : ( الذي يعمل ولا يحب أن يحمده الناس ).
تفسير الطبري
( إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) يقول: إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به.
وقد قرئ: ( إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) فمن قرأ ذلك كذلك، فإنه يعني به: إلا من أخلص طاعتك، فإنه لا سبيل لي عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك ( إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) يعني: المؤمنين.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا عمرو، عن سعيد، عن قتادة ( إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) قال قتادة: هذه ثَنِيَّة الله تعالى ذكره.