الآية 40 من سورة النحل
قال تعالى: (إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ) [النحل - الآية 40]
تفسير جلالين
«إنما قوْلنا لشيء إذا أردناه» أي أردنا إيجاده وقولنا مبتدأ خبره «أن نقول له كن فيكونُ» أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفاً على نقول والآية لتقرير القدرة على البعث.
تفسير السعدي
تفسير الآيتين 39 و40 : لِيُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ْ من المسائل الكبار والصغار، فيبين حقائقها ويوضحها.
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ْ حين يرون أعمالهم حسرات عليهم، وما نفعتهم آلهتهم التي يدعون مع الله من شيء لما جاء أمر ربك، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم، وتكور الشمس والقمر وتتناثر النجوم، ويتضح لمن يعبدها أنها عبيد مسخرات، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات، وليس ذلك على الله بصعب، ولا شديد فإنه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، من غير منازعة ولا امتناع، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه.
تفسير بن كثير
ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء ، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : " كن " فيكون ، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة ، فيكون كما يشاء ، كما قال ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) [ القمر : 50 ] وقال : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ لقمان : 28 ]وقال في هذه الآية الكريمة : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] أي : أن يأمر به دفعة واحدة فإذا هو كائن ، كما قال الشاعر :إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له : " كن " قولة فيكونأي : أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به ، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف ؛ لأنه [ هو ] الواحد القهار العظيم ، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقال ابن أبي حاتم : ذكر الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني عطاء : أنه سمع أبا هريرة يقول : قال الله تعالى : سبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني ، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ، فأما تكذيبه إياي فقال : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) قال : وقلت : ( بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وأما سبه إياي فقال : ( إن الله ثالث ثلاثة ) [ المائدة : 73 ] وقلت : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) [ سورة الإخلاص ].
هكذا ذكره موقوفا ، وهو في الصحيحين مرفوعا ، بلفظ آخر.
تفسير الوسيط للطنطاوي
وقوله- سبحانه-: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ استئناف لتأكيد قدرة الله- تعالى- النافذة، وشمولها لكل شيء من بعث وغيره، وذلك لأن الكفار لما أقسموا بالله جهد أيمانهم بأنه- سبحانه- لا يبعث الموتى، ورد عليهم بما يبطل مزاعمهم، أتبع ذلك ببيان أن قدرته- تعالى- لا يتعاصى عليها شيء، ولا يحول دون نفاذها حائل.
قال الإمام ابن كثير: «أخبر- سبحانه- عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له «كن فيكون».
والمراد من ذلك إذا أراد كونه، فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء، قال- تعالى-: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وقال- سبحانه- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.
وقال- سبحانه- في هذه الآية إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أى:يأمر به دفعة واحدة فإذا هو كائن قال الشاعر:إذا ما أراد الله أمرا فإنما.
يقول له «كن» قولة فيكونأى: أنه- تعالى- لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه- سبحانه- لا يمانع ولا يخالف، لأنه الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء.
».
وقال بعض العلماء: وعبر- تعالى- عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء، لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل، فلا تنافى الآية إطلاق الشيء- على خصوص الموجود دون المعدوم، لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء- وأنه يقول كن فيكون-، كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه.
أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع كتسمية العصير خمرا في قوله إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً.
نظرا لما يؤول إليه.
».
وقوله «فيكون» قرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أى: فهو يكون.
وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب عطفا على قوله «أن نقول له.
».
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت جانبا من أقوال المشركين، وردت عليها بما يبطلها، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم.
وبعد أن عرضت السورة الكريمة لأقاويل المشركين وردت عليها.
أتبعت ذلك بذكر جانب من الثواب العظيم الذي أعده الله- تعالى- للمؤمنين الصادقين، الذين فارقوا الدار والأهل والخلان، من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى-، فقال- سبحانه-:.
تفسير البغوي
( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) يقول الله تعالى : إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ، ولا في شيء مما يحدث ، إنما نقول له : كن ، فيكون.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : كذبني عبدي ، ولم يكن ذلك له ، وشتمني عبدي ولم يكن ذلك له ، فأما تكذيبه إياي ، أن يقول : لن يعيدنا كما بدأنا ، وأما شتمه إياي ، أن يقول : اتخذ الله ولدا ، وأنا الصمد ، لم ألد ، ولم يكن لي كفوا أحد ".
تفسير القرطبي
قوله تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون أعلمهم سهولة الخلق عليه ، أي إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائهم ، ولا في غير ذلك مما نحدثه ; لأنا إنما نقول له كن فيكون.
قراءة ابن عامر والكسائي فيكون نصبا عطفا على أن نقول.
وقال الزجاج : يجوز أن يكون نصبا على جواب كن.
الباقون بالرفع على معنى فهو يكون.
وقد مضى القول فيه في " البقرة " مستوفى وقال ابن الأنباري : أوقع لفظ الشيء على المعلوم عند الله قبل الخلق لأنه بمنزلة ما وجد وشوهد.
وفي الآية دليل على أن القرآن غير مخلوق ; لأنه لو كان قوله : كن مخلوقا لاحتاج إلى قول ثان ، والثاني إلى ثالث وتسلسل وكان محالا.
وفيها دليل على أن الله سبحانه مريد لجميع الحوادث كلها خيرها وشرها نفعها وضرها ; والدليل على ذلك أن من يرى في سلطانه ما يكرهه ولا يريده فلأحد شيئين : إما لكونه جاهلا لا يدري ، وإما لكونه مغلوبا لا يطيق ، ولا يجوز ذلك في وصفه سبحانه ، وقد قام الدليل على أنه خالق لاكتساب العباد ، ويستحيل أن يكون فاعلا لشيء وهو غير مريد له ; لأن أكثر أفعالنا يحصل على خلاف مقصودنا وإرادتنا ، فلو لم يكن الحق سبحانه مريدا لها لكانت تلك الأفعال تحصل من غير قصد ; وهذا قول الطبيعيين ، وقد أجمع الموحدون على خلافه وفساده.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم، ولا في غير ذلك ما نخلق ونكوّن ونحدث ، لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه ، فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ، ولا كُلفة علينا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يكون ، فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فيقال: فيكون، كما قال الشاعر:يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فيعجِمُهْ (1)وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض المتأخرين من قرّاء الكوفيين (فَيَكُونَ) نصبا، عطفا على قوله ( أَنْ نَقُولَ لَهُ ) وكأن معنى الكلام على مذهبهم: ما قولنا لشيء إذا أردناه إلا أن نقول له: كن، فيكون.
وقد حُكي عن العرب سماعا: أريد أن آتيك فيمنعني المطر، عطفا بيمنعني على آتيك.
------------------------الهوامش:(1) هذا بيت من مشطور الرجز من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 161) والشاهد في البيت: أن قوله فيعجمه بالرفع ليس معطوفاً على أن يعربه وإنما هو كلام مستأنف، أي فهو يعجمه ولا يعربه.
ومثله قوله تعالى: (أن نقول له كن فيكون) بالرفع وليس معطوفاً على "أن نقول".
ومثله أيضاً قوله تعالى: (ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل) بالرفع، وليس بالنصب على الجواب للنفي ومثله قوله تعالى: (لنبين لكم، ونقر في الأرحام) برفع نقر على الاستئناف وقوله تعالى في براءة: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ثم قال: (ويتوب الله على من يشاء).
قال الفراء: فإذا رأيت الفعل منصوبًا، وبعده فعل قد نسق عليه بواو أو فاء أو ثم، فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله، نسقته عليه، وإن رأيته غير مشاكل لمعناه، استأنفته فرفعته.
ومنه قوله:والشِّعْرُ لا يَسْتَطِيعُهُ مَنْ يَظْلِمُهْيُرِيدُ أنْ يُعْربَهُ فَيُعْجِمُهْ.