الآية 4 من سورة الضحى
قال تعالى: (وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ) [الضحى - الآية 4]
تفسير جلالين
«وللآخرة خير لك» لما فيها من الكرامات لك «من الأولى» الدنيا.
تفسير السعدي
وأما حاله المستقبلة، فقال: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة.
فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي ويمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب.
تفسير بن كثير
( وللآخرة خير لك من الأولى ) أي : والدار الآخرة خير لك من هذه الدار.
ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا ، وأعظمهم لها إطراحا ، كما هو معلوم [ بالضرورة ] من سيرته.
ولما خير ، عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة ، وبين الصيرورة إلى الله - عز وجل - اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية.
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير ، فأثر في جنبه ، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت : يا رسول الله ، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما لي وللدنيا ؟! ما أنا والدنيا ؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها.
ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المسعودي به ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم بشره- سبحانه- ببشارتين عظيمتين، قد بلغتا الدرجة العليا في السمو والرفعة، فقال: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى.
أى: وللدار الآخرة وما أعده الله لك فيها من نعيم لا يحيط به وصف، خير لك من دار الدنيا التي أعطيناك فيها ما أعطيناك فيها من نبوة، وكرامة ومنازل عالية، وخلق كريم.
وفضلا عن كل ذلك فأنت- أيها الرسول الكريم- سوف يعطيك ربك من خيرى الدنيا والآخرة، كل ما يسعدك ويرضيك، من نصر عظيم، وفتح مبين، وتمكين في الأرض، وإعلاء لكلمة الحق على يدك، وعلى أيدى أصحابك الصادقين، ومنازل عظمى في الآخرة لا يعلم مقدارها إلا الله- تعالى-، كالمقام المحمود، والشفاعة، والوسيلة.
وبذلك ترضى رضاء تاما بما أعطاك- سبحانه- من نعم ومنن.
فالمراد بالآخرة: الدار الآخرة التي تقابل الدار الأولى، وهي الحياة الدنيا، وبعضهم جعل المراد بالآخرة، نهاية أمره صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا، والمراد بالأولى بداية أمره صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا، فيكون المعنى: ولنهاية أمرك- أيها الرسول الكريم- خير من بدايته، فإن كل يوم يمضى من عمرك، سيزيدك الله- تعالى- فيه، عزا على عز، ونصرا على نصر، وتأييدا على تأييد.
حتى ترى الناس وقد دخلوا في دين الله أفواجا.
وقد صدق الله- تعالى- لنبيه وعده حيث فتح له مكة، ونشر دعوته في مشارق الأرض ومغاربها.
قال الآلوسى: وحمل الآخرة على الدار الآخرة المقابلة للدنيا، والأولى على الدار الأولى وهي الدنيا، هو الظاهر.
وقال بعضهم: يحتمل: أن يراد بهما نهاية أمره صلى الله عليه وسلم وبدايته، فاللام فيهما للعهد، أو عوض عن المضاف إليه.
أى: لنهاية أمرك خير من بدايته، فأنت لا تزال تتزايد قوة، وتتصاعد رفعة.
تفسير البغوي
"وللآخرة خير لك من الأولى" حدثنا المطهر بن علي الفارسي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم [ الصالحاني ] ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، أخبرنا ابن أبي عاصم ، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ".
تفسير القرطبي
قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولىروى سلمة عن ابن إسحاق قال : وللآخرة خير لك من الأولى أي ما عندي في مرجعك إلي يا محمد ، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا.
وقال ابن عباس : أري النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يفتح الله على أمته بعده فسر بذلك فنزل جبريل بقوله : وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى.
تفسير الطبري
وقوله: ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى ) يقول تعالى ذكره: وللدار الآخرة، وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها.
يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها.