الآية 39 من سورة النمل
قال تعالى: (قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ) [النمل - الآية 39]
تفسير جلالين
«قال عفريت من الجن» هو القوي الشديد «أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك» الذي تجلس فيه للقضاء وهو من الغداة إلى نصف النهار «وإني عليه لقوي» أي على حمله «أمين» على ما فيه من الجواهر وغيرها، قال سليمان أريد أسرع من ذلك.
تفسير السعدي
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ والعفريت: هو القوي النشيط جدا: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ والظاهر أن سليمان إذ ذاك في الشام فيكون بينه وبين سبأ نحو مسيرة أربعة أشهر شهران ذهابا وشهران إيابا، ومع ذلك يقول هذا العفريت: أنا التزم بالمجيء به على كبره وثقله، وبعده قبل أن تقوم من مجلسك الذي أنت فيه.
والمعتاد من المجالس الطويلة أن تكون معظم الضحى نحو ثلث يوم هذا نهاية المعتاد، وقد يكون دون ذلك أو أكثر.
تفسير بن كثير
( قال عفريت من الجن ) قال مجاهد : أي مارد من الجن.
قال شعيب الجبائي : وكان اسمه كوزن.
وكذا قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان.
وكذا قال أيضا وهب بن منبه.
قال أبو صالح : وكان كأنه جبل.
( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) قال ابن عباس : يعني : قبل أن تقوم من مجلسك.
وقال مجاهد : مقعدك ، وقال السدي ، وغيره : كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تزول الشمس.
( وإني عليه لقوي أمين ) : قال ابن عباس : أي قوي على حمله ، أمين على ما فيه من الجوهر.
فقال سليمان ، عليه السلام : أريد أعجل من ذلك.
ومن هاهنا يظهر أن النبي سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك ، وسخر له من الجنود ، الذي لم يعطه أحد قبله ، ولا يكون لأحد من بعده.
وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها ; لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه.
هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة.
تفسير الوسيط للطنطاوي
وبعد أن قال سليمان لجنده أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين، رد عليه عفريت من الجن بقوله: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ.
والعفريت: هو المارد القوى من الشياطين، الذين سخرهم الله- تعالى- لخدمة سليمان،وللقيام بأداء ما يكلفهم به.
ويقال له: عفريت، وعفريتة- بكسر العين وسكون الفاء-.
أى: قال عفريت من الجن لسليمان: أنا آتيك بعرش هذه الملكة، قبل أن تقوم من مقامك، أى: قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي تجلس فيه للقضاء بين الناس.
أو قبل أن تقف من جلوسك.
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ أى: وإنى على حمله وإحضاره من تلك الأماكن البعيدة إليك، لقوى على ذلك، بحيث لا يثقل على حمله، ولأمين على إحضاره دون أن يضيع منه شيء.
تفسير البغوي
( قال عفريت من الجن ) وهو المارد القوي ، قال وهب : اسمه كوذى وقيل : ذكوان ، قال ابن عباس : العفريت الداهية.
وقال الضحاك : هو الخبيث.
وقال الربيع : الغليظ ، قال الفراء : القوي الشديد ، وقيل : هو صخرة الجني ، وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) أي : من مجلسك الذي تقضي فيه ، قال ابن عباس : وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى منتهى النهار ) ( وإني عليه ) أي : على حمله ) ( لقوي أمين ) على ما فيه من الجواهر ، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : قال عفريت من الجن كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي : ( عفرية ) ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي الحديث : إن الله يبغض العفرية النفرية.
( النفرية ) إتباع لعفرية.
قال قتادة : هي الداهية قال النحاس : يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وعفريت وعفارية.
وقيل : عفريت أي رئيس.
وقرأت فرقة : ( قال عفر ) بكسر العين ; حكاه ابن عطية ; قال النحاس : من قال ( عفرية ) جمعه على عفار ، ومن قال : ( عفريت ) كان له في الجمع ثلاثة أوجه ; إن شاء قال عفاريت ، وإن شاء قال عفار ; لأن التاء زائدة ; كما يقال : ( طواغ ) في جمع طاغوت ، وإن شاء عوض من التاء ياء فقال عفاري.
والعفريت من الشياطين القوي المارد.
والتاء زائدة.
وقد قالوا : تعفرت الرجل : إذا تخلق بخلق الأذية.
وقال وهب بن منبه : اسم هذا العفريت كودن ; ذكره النحاس.
وقيل : ذكوان ; ذكره السهيلي.
وقال شعيب الجبائي : اسمه دعوان.
وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني.
ومن هذا الاسم قول ذي الرمة :كأنه كوكب في إثر عفرية مصوب في سواد الليل منقضبوأنشد الكسائي :إذ قال شيطانهم العفريت ليس لكم ملك ولا تثبيتوفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فذعته.
وذكر الحديث.
وفي البخاري تفلت علي البارحة مكان جعل يفتك.
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار ، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه ; فقال جبريل : أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى.
فقال : أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض ، وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.
قوله تعالى : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك يعني في مجلسه الذي يحكم فيه.
وإني عليه لقوي أمين أي قوي على حمله.
أمين على ما فيه.
ابن عباس : أمين على فرج المرأة ; ذكره المهدوي.
فقال سليمان أريد أسرع من ذلك ; ف قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل ، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب.
وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حي يا قيوم قيل : وهو بلسانهم ، أهيا شراهيا ; وقال الزهري : دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها ; فمثل بين يديه.
وقال مجاهد : دعا فقال : يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام.
قال السهيلي : الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان ، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى.
وقيل : هو سليمان نفسه ; ولا يصح في سياق الكلام مثل هذا التأويل.
قال ابن عطية وقالت فرقة هو سليمان عليه السلام ، والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك كأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك واستدل قائلو هذه المقالة بقول سليمان : هذا من فضل ربي.
قلت : ما ذكره ابن عطية قاله النحاس في معاني القرآن له ، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى.
قال بحر : هو ملك بيده كتاب المقادير ، أرسله الله عند قول العفريت.
قال السهيلي : وذكر محمد بن الحسن المقرئ أنه ضبة بن أد ; وهذا لا يصح البتة لأن ضبة هو ابن أد بن طابخة ، واسمه عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد : ومعد كان في مدة بختنصر ، وذلك بعد عهد سليمان بدهر طويل ; فإذا لم يكن معد في عهد سليمان ، فكيف ضبة بن أد وهو بعده بخمسة آباء ؟ ! وهذا بين لمن تأمله.
ابن لهيعة : هو الخضر عليه السلام.
وقال ابن زيد : ( الذي عنده علم من الكتاب ) رجل صالح كان في جزيرة من جزائز البحر ، خرج ذلك اليوم ينظر من ساكن الأرض ; وهل يعبد الله أم لا ؟ فوجد سليمان ، فدعا باسم من أسماء الله تعالى فجيء بالعرش.
وقول سابع : أنه رجل من بني إسرائيل اسمه يمليخا كان يعلم اسم الله الأعظم ; ذكره القشيري.
وقال ابن أبي بزة : الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب اسمه أسطوم وكان عابدا في بني إسرائيل ; ذكره الغزنوي.
وقال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان عليه السلام ; أما إن الناس يرون أنه كان معه اسم وليس ذلك كذلك ; إنما كان رجل من بني إسرائيل عالما آتاه الله علما وفقها قال : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال : هات.
قال : أنت نبي الله ابن نبي الله فإن دعوت الله جاءك به ، فدعا الله سليمان فجاءه الله بالعرش.
وقول ثامن : إنه جبريل عليه السلام ; قاله النخعي ، وروي عن ابن عباس.
تفسير الطبري
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن جُرَيج, قال مجاهد: (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ ) قال: مارد من الجنّ(أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ).
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قتادة وغيره, مثله.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن بعض أصحابه: (قَالَ عِفْريتٌ ) قال: داهية.
قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني وهب بن سليمان, عن شعيب الجبائي قال: العفريت الذي ذكره الله: اسمه كوزن.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم: (قَالَ عِفْريتٌ ) اسمه: كوزن.
وقوله: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ) يقول: أنا آتيك بعرشها قبل أن تقوم من مقعدك هذا.
وكان فيما ذُكر قاعدا للقضاء بين الناس, فقال: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي جلست فيه للحكم بين الناس.
وذكر أنه كان يقعد إلى انتصاف النهار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة وغيره, مثله, قال: وكان يقضي قال: قبل أن تقوم من مجلسك الذي تقضي فيه.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ) يعني مجلسه.
وقوله (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) على ما فيه من الجواهر, ولا أخون فيه.
وقد قيل: أمين على فرج المرأة.
*ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله: (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) يقول: قويّ على حمله, أمين على فرج هذه.