تفسير: سنفرغ لكم أيه الثقلان، الآية 31 من سورة الرحمن

الآية 31 من سورة الرحمن

قال تعالى: (سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ) [الرحمن - الآية 31]

تفسير جلالين

«سنفرغ لكم» سنقصد لحسابكم «أيها الثقلان» الإنس والجن.

تفسير السعدي

سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان أي: سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا.

تفسير بن كثير

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ، قال : وعيد من الله للعباد ، وليس بالله شغل وهو فارغ.

وكذا قال الضحاك : هذا وعيد.

وقال قتادة : قد دنا من الله فراغ لخلقه.

وقال ابن جريج : ( سنفرغ لكم ) أي : سنقضي لكم.

وقال البخاري : سنحاسبكم ، لا يشغله شيء عن شيء ، وهو معروف في كلام العرب ، يقال لأتفرغن لك " وما به شغل ، يقول : " لآخذنك على غرتك ".

وقوله : ( أيها الثقلان ) الثقلان : الإنس والجن ، كما جاء في الصحيح : " يسمعها كل شيء إلا الثقلين " وفي رواية : " إلا الجن والإنس ".

وفي حديث الصور : " الثقلان الإنس والجن ".

تفسير الوسيط للطنطاوي

ثم هدد- سبحانه- الذين يخالفون عن أمره تحذيرا شديدا، فقال: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

وجيء بحرف التنفيس الدال على القرب وهو السين للإشعار بتحقق ما أخبر به- سبحانه-.

وقوله: سَنَفْرُغُ من الفراغ، وهو الخلو عما يشغل.

والمراد به هنا: القصد إلى الشيء والإقبال عليه، يقال: فلان فرغ لفلان وإليه، إذا قصد إليه لأمر ما.

والثقلان: تثنية ثقل- بفتحتين-، وأصله كل شيء له وزن وثقل، والمراد بهما هنا:الإنس والجن.

والمعنى: سنقصد يوم القيامة إلى محاسبتكم على أعمالكم، وسنجازيكم عليها بما تستحقون، وسيكون هذا شأننا- أيها الثقلان- في هذا اليوم العظيم.

قال صاحب الكشاف: قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مستعار من قول الرجل لمن يتهدده، سأفرغ لك، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك، حتى لا يكون لي شغل سواه، والمراد: التوفر على النكاية فيه، والانتقام منه.

ويجوز أن يراد ستنتهى الدنيا وتبلغ آخرها، وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله- تعالى-: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، فلا يبقى إلا شأن واحد، وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل.

تفسير البغوي

( سنفرغ لكم ) قرأ حمزة والكسائي : سيفرغ بالياء لقوله : " يسأله من في السماوات والأرض " ، " ويبقى وجه ربك " " وله الجوار " فأتبع الخبر.

وقرأ الآخرون بالنون ، وليس المراد منه الفراغ عن شغل ، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، ولكنه وعيد من الله تعالى [ للخلق ] بالمحاسبة ، كقول القائل : لأتفرغن لك ، وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن.

وقال آخرون : معناه : سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، كقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لي.

وقال بعضهم : إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم ، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم ، فيتم ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل.

( أيها الثقلان ) أي الجن والإنس ، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى : " وأخرجت الأرض أثقالها " ، ( الزلزلة - 2 ) وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما.

وقال جعفر بن محمد الصادق : سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : سنفرغ لكم أيها الثقلان يقال : فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته.

والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده : إذا أتفرغ لك أي أقصدك.

وفرغ بمعنى قصد ، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا لجرير :الآن وقد فرغت إلى نمير فهذا حين كنت لها عذابايريد وقد قصدت.

وقال أيضا وأنشده النحاس :فرغت إلى العبد المقيد في الحجلوفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة ، صاح الشيطان : يا أهل الجباجب ! هذا مذمم يبايع بني قيلة على حربكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا إزب العقبة أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك أي أقصد إلى إبطال أمرك.

وهذا اختيار القتبي والكسائي وغيرهما.

وقيل : إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، أي أقسم ذلك وأتفرغ منه ؛ قاله الحسن ومقاتل وابن زيد.

وقرأ عبد الله وأبي " سنفرغ إليكم " وقرأ الأعمش وإبراهيم " سيفرغ لكم " بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله.

وقرأ ابن شهاب والأعرج " سنفرغ لكم " بفتح النون والراء ، قال الكسائي : هي لغة تميم يقولون : فرغ يفرغ ، وحكى أيضا فرغ يفرغ ورواهما هبيرة عن حفص عن عاصم.

وروى الجعفي عن أبي عمرو " سيفرغ " بفتح الياء والراء ، ورويت عن ابن هرمز.

وروي عن عيسى الثقفي " سنفرغ لكم " بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي " سيفرغ لكم " بالياء.

الباقون بالنون وهي لغة تهامة.

والثقلان الجن والإنس ، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف - وقيل : سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى : وأخرجت الأرض أثقالها ومنه قولهم : أعطه ثقله أي وزنه.

وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل.

ومنه قيل لبيض النعام ثقل ، لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به.

وقال جعفر الصادق : سميا ثقلين ، لأنهما مثقلان بالذنوب.

وقال : سنفرغ لكم فجمع ، ثم قال : أيه الثقلان لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم ولم يقل إن استطعتما ، لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى : فإذا هم فريقان يختصمون و هذان خصمان اختصموا في ربهم ولو قال : سنفرغ لكما ، وقال : إن استطعتما لجاز.

وقرأ أهل الشام " أيه الثقلان " بضم الهاء.

الباقون بفتحها وقد تقدم.

مسألة : هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك.

تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (31)اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين (سَنَفَرغُ لَكُمْ ) بالنون.

وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( سَيَفرغ لَكُمْ ) بالياء، وفتحها ردّا على قوله: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، ولم يقل : يسألنا من في السموات، فأتبعوا الخبر الخبر.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

وأما تأويله : فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى: سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له: قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه، وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه: (سَنَفْرغُ لَكُمْ ): سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال: وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ) قال: دنا من الله فراغ لخلقه.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ )، قال: وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.