الآية 3 من سورة الأعلى
قال تعالى: (وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ) [الأعلى - الآية 3]
تفسير جلالين
«والذي قدَّر» ما شاء «فهدى» إلى ما قدره من خير وشر.
تفسير السعدي
وَالَّذِي قَدَّرَ تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات فَهَدَى إلى ذلك جميع المخلوقات.
تفسير بن كثير
وقوله : ( والذي قدر فهدى ) قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة ، وهدى الأنعام لمراتعها.
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لفرعون : ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [ طه : 5 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، كما ثبت في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ".
تفسير الوسيط للطنطاوي
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى والتقدير: وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، بمقدار معين، وبكيفية معينة.
تقتضيها الحكمة، ويقرها العقل السليم.
وقوله: فَهَدَى من الهداية.
بمعنى الإرشاد والدلالة على طريق الخير والبر.
أى:وهو- سبحانه- الذي جعل الأشياء على مقادير مخصوصة في أجناسها، وفي أنواعها، وفي أفرادها.
وفي صفاتها وأفعالها.
وهدى كل مخلوق إلى ما ينبغي له طبعا واختيارا، ووجهه إلى الوظيفة التي خلقه من أجلها، بأن أوجد فيه العقل والميول والإلهامات والغرائز والدوافع التي تعينه على أداء تلك الوظيفة.
وحذف- سبحانه- المفعول في قوله: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى.
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى للعموم، لأن هذه الأفعال تشمل جميع مخلوقاته- عز وجل-.
قال الآلوسى: وَالَّذِي قَدَّرَ.
أى: جعل الأشياء على مقادير مخصوصة.
فَهَدى أى: فوجه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه، وينبغي له.
فلو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات، لرأيت في كل منها ما تحار فيه العقول، وتضيق عنه دفاتر النقول.
وأما فنون هداياته- سبحانه- للإنسان على الخصوص، ففوق ذلك بمراحل.
وهيهات أن يحيط بها فلك العبارة والتحرير، ولا يعلمها إلا اللطيف الخبير.
أتزعم أنك جرم صغير.
وفيك انطوى العالم الأكبروقد فصل بعض العلماء الحديث عن مظاهر تقديره وهدايته- سبحانه- فقال: قوله- تعالى-: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى.
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى أى: الذي خلق كل شيء فسواه، فأكمل صنعته، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه، والذي قدر لكل مخلوق وظيفته وطريقته وغايته، فهداه إلى ما خلقه لأجله، وألهمه غاية وجوده، وقدر له ما يصلحه مدة بقائه، وهداه إليه.
وهذه الحقيقة الكبرى ماثلة في كل شيء في هذا الوجود، ويشهد بها كل شيء في رحاب هذا الكون، من الكبير إلى الصغير.
فالطيور لها غريزة العودة إلى الموطن.
دون أن تضل عنه مهما بعد.
والنحلة تهتدى إلى خليتها، مهما طمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار كل دليل يرى.
وسمك «السلمون» الصغير، يمضى سنوات في البحر، ثم يعود إلى نهره الخاص به.
تفسير البغوي
( والذي قدر فهدى ) قرأ الكسائي : " قدر " بتخفيف الدال ، وشددها الآخرون ، وهما بمعنى واحد.
وقال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير والشر ، والسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراتعها.
وقال مقاتل والكلبي : قدر لكل شيء مسلكه ، " فهدى " عرفها كيف يأتي الذكر الأنثى.
وقيل : قدر الأرزاق وهدى لاكتساب الأرزاق والمعاش.
وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها.
وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج من الرحم.
قال الواسطي : قدر السعادة والشقاوة عليهم ، ثم يسر لكل واحد من الطائفتين سلوك [ سبيل ] ما قدر عليه.
تفسير القرطبي
والذي قدر فهدى قرأ علي - رضي الله عنه - والسلمي والكسائي ( قدر ) مخففة الدال ، وشدد الباقون.
وهما بمعنى واحد.
أي قدر ووفق لكل شكل شكله.
فهدى أي أرشد.
قال مجاهد : قدر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة.
وعنه قال : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراعيها.
وقيل : قدر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنسا ، ولمراعيهم إن كانوا وحشا.
وروي عن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي في قوله فهدى قالوا : عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى كما قال في ( طه ) : الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي الذكر للأنثى.
وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها ، وهداها له.
وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها.
وقيل قدر فهدى : قدر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه ، وعرفه وجه الانتفاع به.
يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها ، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها ، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى.
وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه ، وما لا يحصر من حوائجه ، في أغذيته وأدويته ، وفي أبواب دنياه ودينه ، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع ، وشوط بطين ، لا يحيط به وصف واصف فسبحان ربي الأعلى.
وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر ، وأقل وأكثر ، ثم هداه للخروج من الرحم.
وقال الفراء : أي قدر ، فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله تعالى : سرابيل تقيكم الحر.
ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان كقوله تعالى : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.
أي لتدعو ، وقد دعا الكل إلى الإيمان.
وقيل : فهدى أي دلهم بأفعاله على توحيده ، وكونه عالما قادرا.
ولا خلاف أن من شدد الدال من قدر أنه من التقدير كقوله تعالى : وخلق كل شيء فقدره تقديرا.
ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى.
ويحتمل أن يكون من القدر والملك أي ملك الأشياء ، وهدى من يشاء.
قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول : الذي خلق فسوى وقدر فهدى.
هو تفسير العلو الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته.
تفسير الطبري
وقوله: ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) يقول تعالى ذكره: والذي قدّر خلقه فهدى.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُنِي بقوله: ( فَهَدَى ) ، فقال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، والبهائم للمراتع.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( قَدَّرَ فَهَدَى ) قال: هدى الإنسان للشِّقوة والسعادة، وهَدى الأنعام لمراتعها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك، هدى الذكور لمأتى الإناث.
وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الله عمّ بقوله: ( فَهَدَى ) الخبر عن هدايته خلقه، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيل الخير والشرّ، وهدى الذكور لمأتى الإناث، فالخبر على عمومه حتى يأتي خبر تقوم به الحجة، دالّ على خصوصه.
واجتمعت قرّاء الأمصار على تشديد الدال من قدّر، غير الكسائي فإنه خفَّفها.
والصواب في ذلك التشديد، لإجماع الحجة عليه.