الآية 20 من سورة الحجر
قال تعالى: (وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ) [الحجر - الآية 20]
تفسير جلالين
«وجعلنا لكم فيها معايش» بالياء من الثمار والحبوب «و» جعلنا لكم «من لستم له برازقين» من العبيد والدواب والأنعام فإنما يرزقهم الله.
تفسير السعدي
وجعلنا لكم فيها معايش من الحرث ومن الماشية ومن أنواع المكاسب والحرف.
ومن لستم له برازقين أي: أنعمنا عليكم بعبيد وإماء وأنعام لنفعكم ومصالحكم وليس عليكم رزقها، بل خولكم الله إياها وتكفل بأرزاقها.
تفسير بن كثير
وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " يذكر تعالى أنه صرفهم في الأرض فى صنوف الأسباب والمعايش وهي جمع معيشة وقوله " ومن لستم له برازقين " قال مجاهد هي الدواب والأنعام وقال ابن جرير هم العبيد والإماء والدواب والأنعام والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها والأنعام التي يأكلونها والعبيد والإماء التي يستخدمونها ورزقهم على خالقهم لا عليهم فلهم هم المنفعة والرزق على الله تعالى.
تفسير الوسيط للطنطاوي
وأننا- كذلك- جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ.
والمعايش: جمع معيشة، وهي في الأصل مصدر عاش يعيش عيشا وعيشة ومعاشا، ومعيشة، إذا صار ذا حياة.
ثم استعمل هذا اللفظ فيما يعاش به، أو فيما يتوصل به إلى العيش.
أى: وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها، مما تقتضيه ضرورات الحياة التي تحيونها.
وجملة وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ معطوفة على «معايش».
والمراد بمن لستم له برازقين: ما يشمل الأطفال والعجزة والأنعام وغير ذلك من مخلوقات الله التي تحتاج إلى العون والمساعدة.
أى: وجعلنا لكم في الأرض ما تعيشون به أو ما تتوصلون به إلى ذلك من المكاسب والتجارات، وجعلنا لكم فيها- أيضا- من لستم له برازقين من العيال والخدم والدواب.
وإنما الرازق لهم هو الله- تعالى- رب العالمين، إذ ما من دابة في الأرض إلا على الله وحده رزقها.
وما يزعمه الجاهلون من أنهم هم الرازقون لغيرهم، هو لون من الغرور والافتراء، لأن الرازق للجميع هو الله رب العالمين.
وعبر بمن في قوله وَمَنْ لَسْتُمْ تغليبا للعقلاء على غيرهم.
قال الإمام ابن كثير: والمقصود- من هذه الجملة- أنه- تعالى- يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب، وصنوف المعاشات وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها.
والأنعام التي يأكلونها، والعبيد والإماء التي يستخدمونها، ورزقهم على خالقهم لا عليهم، فلهم هم المنفعة، والرزق على الله- تعالى-».
تفسير البغوي
( وجعلنا لكم فيها معايش ) جمع معيشة ، قيل : أراد بها المطاعم ، والمشارب ، والملابس [ وهي ما ] يعيش به الآدمي في الدنيا ( ومن لستم له برازقين ) أي : جعلنا فيها من لستم له برازقين من الدواب والأنعام ، أي : جعلناها لكم وكفيناكم رزقها ، و " من " في الآية بمعنى " ما " كقوله تعالى : ( فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ) ( النور - 45 ).
وقيل : " من " في موضعها; لأنه أراد المماليك مع الدواب.
وقيل : " من " في محل الخفض عطفا على الكاف والميم في " لكم ".
تفسير القرطبي
وجعلنا لكم فيها معايش يعني المطاعم والمشارب التي يعيشون بها ; واحدها معيشة ( بسكون الياء ).
ومنه قول جرير :تكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والصنابوالأصل معيشة على مفعلة ( بتحريك الياء ).
وقد تقدم في الأعراف.
وقيل : إنها الملابس ; قاله الحسن.
وقيل : إنها التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة.
قال الماوردي : وهو الظاهر.
ومن لستم له برازقين يريد الدواب والأنعام ; قاله مجاهد.
وعنده أيضا هم العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم : نحن نرزقهم وإياكم ولفظ من يجوز أن يتناول العبيد والدواب إذا اجتمعوا ; لأنه إذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل ، غلب من يعقل.
أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا وإماء ودواب وأولادا نرزقهم ولا ترزقونهم.
ف " من " على هذا التأويل في موضع نصب ; قال معناه مجاهد وغيره.
وقيل : أراد به الوحش.
قال سعيد : قرأ علينا منصور ومن لستم له برازقين قال : الوحش.
ف من على هذا تكون لما لا يعقل ; مثل فمنهم من يمشي على بطنه الآية.
وهي في محل خفض عطفا على الكاف والميم في قوله : " لكم ".
وفيه قبح عند البصريين ; فإنه لا يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إلا بإعادة حرف الجر ; مثل مررت به وبزيد.
ولا يجوز مررت به وزيد إلا في الشعر.
كما قال :فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجبوقد مضى هذا المعنى في " البقرة " وسورة " النساء ".
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره: ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) أيها الناس في الأرض ( مَعَايِشَ ) ، وهي جمع معيشة ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ).
اختلف أهل التأويل في المعني في قوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) فقال بعضهم: عني به الدوابّ والأنعام.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله جمعيا، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) الدوابّ والأنعام.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: عني بذلك: الوحش خاصة.
* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور (2) في هذه الآية ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) قال: الوحش ، فتأويل " مَنْ" في: ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) على هذا التأويل بمعنى ما، وذلك قليل في كلام العرب.
وأولى ذلك بالصواب، وأحسن أن يقال: عني بقوله ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) من العبيد والإماء والدوابّ والأنعام.
فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فيها معايش.
والعبيدَ والإماء والدوابَّ والأنعام ، وإذا كان ذلك كذلك، حسن أن توضع حينئذ مكان العبيد والإماء والدوابّ " من "، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الخبر عن البهائم معها بنو آدم.
وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت " من " في موضع نصب عطفا به على معايش بمعنى: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين.
وقيل: إنّ " من " في موضع خفض عطفا به على الكاف والميم في قوله ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ ) بمعنى: وجعلنا لكم فيها معايش ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) وأحسب أن منصورا (3) في قوله: هو الوحش قصد هذا المعنى وإياه أراد، وذلك وإن كان له وجه في كلام العرب ، فبعيد قليل، لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض، وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة، كما قال بعضهم:هَلا سألْتَ بذِي الجَماجِمِ عنهُمُوأبي نَعِيمٍ ذي اللِّوَاءِ المُخْرَقِ (4)فردّ أبا نعيم على الهاء والميم في عنهم ، وقد بيَّنت قبح ذلك في كلامهم.
------------------------الهوامش:(2) منصور الذي يروي عنه شعبة بن الحجاج : هو منصور بن عبد الرحمن التميمي الغداني ( بضم الغين ) عن الشعبي ، وعنه وشعبة وابن علية ، وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بقوي ، وفي كلام الفراء الذي نقلناه تحت الشاهد " هلا سألت " إشارة إلى روايته هناك ، بقوله " وقد جاء أنهم الوحوش.
الخ ".
( وانظر خلاصة الخزرجي ).
(3) انظر الكلام عليه في هامش ص 17.
(4) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( ص 167 من مصورة الجامعة ).
قال : وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " : أراد الأرض " ومن لستم له برازقين " فمن في موضع نصب ، يقول : جعلنا لكم فيها معايش والعبيد والإماء ، وقد جاء أنهم الوحوش والبهائم ، ومن : لا يفرد بها البهائم ، ولا ما سوى الناس ، فإن يكن ذلك على ما روى فنرى أن أدخل فيهم المماليك ، على أنا ملكناكم العبيد والإبل والغنم وما أشبه ذلك ، مجاز ذلك ، وقد يقال إن " من " في موضع خفض ، يراد جعلنا لكم فيها معايش ولمن.
وما أقل ما ترد العرب لمخفوض قد كني عنه ، وقد قال الشاعر :نعلق في مثل الواري سيوفناوما بينها والكعب غوط نفانففرد الكعب على بينها.
وقال الآخر : هلا سألت.
البيت ، فرد " أبي نعيم " على الهاء في عنهم.
قلت : وهذا الموضع الذي أشار إليه الفراء ، وهو عطف اسم مخفوض على ضمير هو قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " من سورة النساء.