الآية 121 من سورة النحل
قال تعالى: (شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) [النحل - الآية 121]
تفسير جلالين
«شاكرا لأنعمه اجتباه» اصطفاه «وهداهُ إلى صراط مستقيم».
تفسير السعدي
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ أي: آتاه الله في الدنيا حسنة، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة، فقام بشكرها، فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن اجْتَبَاهُ ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين.
وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ في علمه وعمله فعلم بالحق وآثره على غيره.
تفسير بن كثير
وقوله : ( شاكرا لأنعمه ) أي : قائما بشكر نعم الله عليه ، كما قال : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] أي : قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله : ( اجتباه ) أي : اختاره واصطفاه ، كما قال : ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ) [ الأنبياء : 51 ].
ثم قال : ( وهداه إلى صراط مستقيم ) وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.
تفسير الوسيط للطنطاوي
ووصفه- خامسا- بقوله- سبحانه-: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ أى: معترفا بفضل الله- تعالى- عليه، ومستعملا نعمه فيما خلقت له، ومؤديا حقوق خالقه فيها.
قال- تعالى-: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أى: قام بأداء جميع ما كلفه الله به.
وبعد أن مدح- سبحانه- إبراهيم بتلك الصفات الجامعة لمجامع الخير، أتبع ذلك ببيان فضله- تعالى- عليه فقال: اجْتَباهُ أى اختاره واصطفاه للنبوة.
من الاجتباء بمعنى الاصطفاء والاختيار.
واجتباء الله- تعالى- لعبده معناه: اختصاصه ذلك العبد بخصائص ومزايا يحصل له عن طريقها أنواع من النعم بدون كسب منه.
وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أى: وأرشده إلى الطريق القويم، الذي دعا الصالحون ربهم أن يرشدهم إليه، حيث قالوا في تضرعهم: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.
وهو طريق الإسلام.
تفسير البغوي
( شاكرا لأنعمه اجتباه ) اختاره ، ( وهداه إلى صراط مستقيم ) أي : إلى دين الحق.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحينقوله تعالى : شاكرا أي كان شاكرا.
لأنعمه الأنعم جمع نعمة.
وقد تقدماجتباه أي اختاره.
وهداه إلى صراط مستقيم.
تفسير الطبري
( شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ) يقول: كان يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك ، كما يفعل مشركو قريش ( اجْتَبَاهُ ) يقول: اصطفاه واختاره لخُلته ( وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول: وأرشده إلى الطريق المستقيم، وذلك دين الإسلام لا اليهودية ولا النصرانية.
وبنحو الذي قلنا في معنى ( أُمَّةً قَانِتًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثني زكريا بن يحيى، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العُبَيدين، أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأنّ ابن مسعود رقّ له، فقال: أخبرني عن الأمَّة ، قال: الذي يُعلَّم الناس الخير.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبَيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، عن الأمَّة القانت، قال: الأمَّة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن منصور، يعني ابن عبد الرحمن، عن الشعبي ، قال: ثني فروة بن نوفل الأشجعي، قال: قال ابن مسعود: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا ، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: تدري ما الأمَّة ، وما القانت؟ قلت: الله أعلم ، قال: الأمَّة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان مُعاذ بن جبل يعلم الخير ، وكان مطيعًا لله ولرسوله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت فراسا يحدّث، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: إن مُعاذا كان أُمَّة قانتًا لله ، قال: فقال رجل من أشجع يُقال له فروة بن نوفل: نسي إنما ذاك إبراهيم ، قال: فقال عبد الله: من نسي إنما كنا نشبهه بإبراهيم ، قال: وسُئِل عبد الله عن الأمَّة ، فقال: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق قال: قرأت عند عبد الله هذه الآية ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: كان معاذ أُمَّةً قانتًا ، قال: هل تدري ما الأمَّة ، الأمَّة الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله.
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا بيان بن بشر البَجَلي، عن الشعبيّ، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، فقال له رجل: نسيت ، قال: لا ولكنه شبيه إبراهيم، والأمَّة: معلِّم الخير، والقانت: المطيع.
حدثني عليّ بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبيّ، في قوله: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ) قال: مطيعا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا معلِّم الخير.
وذُكر في الأمَّة أشياء مختلف فيها، قال وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني: بعد حين و أُمَّةً وَسَطًا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن ليث، عن شَهْر بن حَوْشَب، قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن الشعبيّ، قال: وأخبرنا زكريا ومجالد، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن ابن مسعود، نحو حديث يعقوب، عن ابن عُلَية وزاد فيه: الأمَّة: الذي يعلم الخير ويُؤْتمّ به ، ويقتدى به ؛ والقانت: المطيع لله وللرسول ، قال له أبو فروة الكندي: إنك وهمت.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) على حدة ( قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: مطيعا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: مطيعًا لله في الدنيا.
قال ابن جريج: وأخبرني عويمر، عن سعيد بن جبير، أنه قال: قانتًا: مطيعًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: كان إمام هُدًى مطيعًا تُتَّبع سُنَّته ومِلَّته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة، أن ابن مسعود قال: إن مُعاذ بن جَبَلْ كان أُمَّةً قانتا ، قال غير قتادة: قال ابن مسعود: هل تدرون: ما الأمَّة ؟ الذي يعلم الخير.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا الثوريّ، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: قرأت عند عبد الله بن مسعود ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا ) فقال: إن معاذا كان أُمَّةً قانتا، قال: فأعادوا، فأعاد عليهم، ثم قال: أتدرون ما الأمَّة ؟ الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله.
وقد بيَّنا معنى الأمَّة ووجوهها ، ومعنى القانت باختلاف المختلفين فيه في غير هذا الموضع من كتابنا بشواهده، فأغنى بذلك عن إعادته في هذا الموضع.