الآية 110 من سورة المؤمنون
قال تعالى: (فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ) [المؤمنون - الآية 110]
تفسير جلالين
«فاتخذتموهم سُخرياً» بضم السين وكسرها مصدر بمعنى الهزء، منهم: بلال وصهيب وعمار وسلمان «حتى أنسوكم ذكري» فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء بهم فهم سبب الإنساء فنسب إليهم «وكنتم منهم تضحكون».
تفسير السعدي
فهؤلاء سادات الناس وفضلائهم، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ أيها الكفرة الأنذال ناقصو العقول والأحلام سِخْرِيًّا تهزءون بهم وتحتقرونهم، حتى اشتغلتم بذلك السفه.
حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر، اشتغالهم بالاستهزاء بهم، كما أن نسيانهم للذكر، يحثهم على الاستهزاء، فكل من الأمرين يمد الآخر، فهل فوق هذه الجراءة جراءة؟!.
تفسير بن كثير
أي : فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي ، ( حتى أنسوكم ذكري ) أي : حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي ( وكنتم منهم تضحكون ) أي : من صنيعهم وعبادتهم ، كما قال تعالى : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون ) [ المطففين : 29 ، 30 ] أي : يلمزونهم استهزاء.
تفسير الوسيط للطنطاوي
وقوله- سبحانه-: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا.
هو محط التعليل، أى: فكان حالكم معهم أنكم سخرتم واستهزأتم بهم.
حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي أى: فاتخذتموهم سخريا، وداومتم على ذلك، وشغلكم هذا الاستهزاء، حتى أنسوكم- لكثرة انهماككم في السخرية بهم- تذكر عقابي لكم في هذا اليوم، وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ في الدنيا، وتتغامزون عند ما ترونهم استخفافا بهم.
فلهذه الأسباب، اخسئوا في النار ولا تكلمون، أما هؤلاء المؤمنون الذين كنتم تستهزءون بهم في الدنيا.
تفسير البغوي
( فاتخذتموهم سخريا ) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي : " سخريا " بضم السين هاهنا وفي سورة ص ، وقرأ الباقون بكسرهما ، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف.
قال الخليل : هما لغتان مثل قولهم : بحر لجي ، ولجي بضم اللام وكسرها ، مثل كوكب دري ودري ، قال الفراء والكسائي : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل ، واتفقوا في سورة الزخرف بأنه بمعنى التسخير ، ( حتى أنسوكم ) أي : أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم ، ( ذكري وكنتم منهم تضحكون ) نظيره : " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " ( المطففين - 29 ) قال مقاتل : نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من الصحابة ، كان كفار قريش يستهزئون بهم.
تفسير القرطبي
فاتخذتموهم سخريا بالضم قراءة نافع ، وحمزة ، والكسائي هاهنا وفي ( ص ).
وكسر الباقون.
قال النحاس : وفرق أبو عمرو بينهما ، فجعل المكسورة من جهة التهزؤ ، والمضمومة من جهة السخرة ، ولا يعرف هذا التفريق الخليل ، ولا سيبويه ، ولا الكسائي ، ولا الفراء.
قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ؛ كما يقال : عصي وعصي ، ولجي ولجي.
وحكى الثعلبي ، عن الكسائي ، والفراء الفرق الذي ذكره أبو عمرو ، وأن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل.
وقال المبرد : إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب ، وأما التأويل فلا يكون.
والكسر في سخري في المعنيين جميعا ؛ لأن الضمة تستثقل في مثل هذا.
حتى أنسوكم ذكري أي اشتغلتم بالاستهزاء بهم عن ذكري.
وكنتم منهم تضحكون استهزاء بهم ، وأضاف الإنساء إلى المؤمنين لأنهم كانوا سببا لاشتغالهم عن ذكره ؛ وتعدي شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره: فاتخذتم أيها القائلون لربكم رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ في الدنيا، القائلين فيها: رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ سُخْريا.
والهاء والميم في قوله: ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ ) من ذكر الفريق.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( سِخْرِيًّا ) فقرأه بعض قرّاء الحجاز وبعض أهل البصرة والكوفة ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ) بكسر السين، ويتأوّلون في كسرها أن معنى ذلك الهزء، ويقولون: إنها إذا ضُمت فمعنى الكلمة: السُّخْرة والاستعباد.
فمعنى الكلام على مذهب هؤلاء: فاتخذتم أهل الإيمان بي في الدنيا هُزُؤًا ولعبا، تهزءون بهم، حتى أنسوكم ذكري.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة: ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيًّا ) بضم السين، وقالوا: معنى الكلمة في الضمّ والكسر واحد.
وحكى بعضهم عن العرب سماعا لِجِّيّ ولُجِّي، ودِرِيّ، ودُرِيّ، منسوب إلى الدرّ، وكذلك كِرسيّ وكُرسيّ؛ وقالوا ذلك من قيلهم كذلك، نظير قولهم في جمع العصا: العِصِيّ بكسر العين، والعُصِيّ بضمها; قالوا: وإنما اخترنا الضم في السِّخري؛ لأنه أفصح اللغتين.
والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ ذلك فمصيب، وليس يُعْرف من فرق بين معنى ذلك إذا كسرت السين وإذا ضمت؛ لما ذكرت من الرواية عمن سمع من العرب ما حَكَيت عنه.
ذكر الرواية به عن بعض من فَرَّق في ذلك بين معناه مكسورة سينه ومضمومة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ) قال: هما مختلفتان: سِخريا، وسُخريا، يقول الله: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا قال: هذا سِخريّا: يُسَخِّرونهم، والآخرون: الذين يستهزئون بهم هم سُخريًّا، فتلك سِخريًّا يُسَخرونهم عندك، فسخَّرك رفعك فوقه، والآخرون: استهزءوا بأهل الإسلام هي: سُخريّا يَسْخَرون منهم.
فهما مختلفتان.
وقرأ قول الله: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ وقال: يسخرون منهم كما سخر قوم نوح بنوح، اتخذوهم سُخريًّا: اتخذوهم هُزُؤًا، لم يزالوا يستهزئون بهم.
وقوله: ( حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ) يقول: لم يزل استهزاؤكم بهم، أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري، فألْهَاكم عنه ( وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ).
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ) قال: أنسى هؤلاء الله استهزاؤُهم بهم، وضحكهم بهم، وقرأ: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ حتى بلغ: إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ.