تفسير: الرحمن، الآية 1 من سورة الرحمن

الآية 1 من سورة الرحمن

قال تعالى: (ٱلرَّحۡمَٰنُ) [الرحمن - الآية 1]

تفسير جلالين

«الرحمن» الله تعالى.

تفسير السعدي

هذه السورة الكريمة الجليلة، افتتحها باسمه "الرَّحْمَنُ" الدال على سعة رحمته، وعموم إحسانه، وجزيل بره، وواسع فضله، ثم ذكر ما يدل على رحمته وأثرها الذي أوصله الله إلى عباده من النعم الدينية والدنيوية [والآخروية وبعد كل جنس ونوع من نعمه، ينبه الثقلين لشكره، ويقول: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ].

تفسير بن كثير

تفسير سورة الرحمن وهي مكية.

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر ، أن رجلا قال لابن مسعود : كيف تعرف هذا الحرف : " ماء غير ياسن أو آسن " ؟ فقال : كل القرآن قد قرأت ؟.

قال : إني لأقرأ المفصل أجمع في ركعة واحدة.

فقال : أهذا كهذ الشعر ، لا أبا لك ؟ قد علمت قرائن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل ، وكان أول مفصل ابن مسعود : ( الرحمن ).

وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن زهير بن محمد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه فقرأ عليهم سورة " الرحمن " من أولها إلى آخرها ، فسكتوا فقال : " لقد قرأتها على الجن ليلة الجن ، فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، قالوا : لا بشيء من نعمك - ربنا - نكذب ، فلك الحمد ".

ثم قال : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ، عن زهير بن محمد.

ثم حكى عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا.

ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن مالك ، عن الوليد بن مسلم.

وعن عبد الله بن أحمد بن شبويه ، عن هشام بن عمار ، كلاهما عن الوليد بن مسلم ، به.

ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه.

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عباد بن موسى ، وعمرو بن مالك البصري قالا : حدثنا يحيى بن سليم ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة " الرحمن " - أو : قرئت عنده - فقال : " ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم ؟ " قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " ما أتيت على قول الله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلا قالت الجن : لا بشيء من نعمة ربنا نكذب ".

ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك ، به.

ثم قال : لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.

يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه : أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) قال الحسن : يعني : النطق.

وقال الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما : يعني الخير والشر.

وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى ; لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن ، وهو أداء تلاوته ، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين ، على اختلاف مخارجها وأنواعها.

تفسير الوسيط للطنطاوي

مقدمة وتمهيد1- سورة «الرحمن» سميت بهذا الاسم، لافتتاحها بهذا الاسم الجليل من أسماء الله- تعالى-.

وقد وردت تسميتها بهذا الاسم في الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة «الرحمن» من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد قرأتها على الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله- تعالى-: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد».

وسميت في حديث مرفوع أخرجه البيهقي عن على بن أبى طالب- رضى الله عنه:«عروس القرآن».

وقد ذكروا في سبب نزولها، أن المشركين عند ما قالوا: وَمَا الرَّحْمنُ نزلت هذه السورة لترد عليهم، ولتثنى على الله- تعالى- بما هو أهله.

2- وهي مكية في قول جمهور الصحابة والتابعين، وروى عن ابن مسعود وابن عباس أنها مدنية، وقيل هي مكية إلا قوله- تعالى-: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

قال القرطبي: والقول الأول أصح، لما روى عن عروة بن الزبير قال: أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود.

وذلك أن الصحابة قالوا: ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط، فمن رجل يسمعهم إياه؟فقال ابن مسعود: أنا، فقالوا: نخشى عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه، فأبى، ثم قام عند المقام فقال: بسم الله الرحمن الرحيم.

الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها، فتأملوا وقالوا: ما يقول ابن أم عبد؟قالوا: هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه.

وفي هذا دليل على أنها مكية.

والحق أن ما ذهب إليه الإمام القرطبي من كون سورة الرحمن مكية، هو ما تطمئن إليه النفس، لأن السورة من أولها إلى آخرها فيها سمات القرآن المكي، الذي يغلب عليه الحديث المفصل عن الأدلة على وحدانية الله وقدرته وعظم نعمه على خلقه، والمقارنة بين حسن عاقبة الأخبار، وسوء عاقبة الأشرار.

3- وعدد آياتها ثمان وسبعون آية في المصحف الحجازي، وست وسبعون في المصحف البصري.

4- وتبدأ السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى-، ثم بالثناء على القرآن الكريم، ثم ببيان جانب من مظاهر قدرة الله- تعالى-، ومن جميل صنعه، وبديع فعله.

قال- تعالى-: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

خَلَقَ الْإِنْسانَ.

عَلَّمَهُ الْبَيانَ.

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ.

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ.

وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ.

أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ.

5- وبعد أن ساق- سبحانه- ما ساق من ألوان النعم، أتبع ذلك ببيان أن كل من على ظهر هذه الأرض مصيره إلى الفناء، وأن الباقي هو وجه الله- تعالى- وحده.

وببيان أهوال القيامة، وسوء عاقبة المكذبين وحسن عاقبة المؤمنين.

قال- تعالى-: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ.

وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

ذَواتا أَفْنانٍ.

6- ثم وصفت ما أعده الله- تعالى- للمتقين وصفا يشرح الصدور، ويقر العيون، فقد أعد- سبحانه- لهم بفضله وكرمه الحور العين، والفرش التي بطائنها من إستبرق.

قال- تعالى-: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ.

وهكذا نرى السورة الكريمة تطوف بنا في آفاق هذا الكون، فتحكى لنا من بين ما تحكى- جانبا من مظاهر قدرة الله- تعالى- ونعمه على خلقه- وتقول في أعقاب كل نعمة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، وتتكرر هذه الآية فيها إحدى وثلاثين مرة، لتذكير الجن والإنس بهذه النعم كي يشكروا الله- تعالى- عليها شكرا جزيلا.

نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا من عباده الشاكرين عند الرخاء، الصابرين عند البلاء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

افتتحت السورة الكريمة بهذا الاسم الجليل لله - عز وجل - وهو لفظ مشتق من الرحمة ، وصيغته الدالة على المبالغة ، تنبه إلى عظم هذه الرحمة وسعتها.

وهذا اللفظ مبتدأ ، وما بعده أخبار له.

تفسير البغوي

مكية، " الرحمن "، قيل: نزلت حين قالوا: وما الرحمن؟ وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر.

تفسير القرطبي

سورة الرحمن مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر.

وقال ابن عباس : إلا آية منها هي قوله تعالى : يسأله من في السماوات والأرض الآية.

وهي ست وسبعون آية.

وقال ابن مسعود ومقاتل : هي مدنية كلها.

والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ; وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود : أنا ، فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الرحمن علم القرآن ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها ، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أم عبد ؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه.

وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي الصبح بنخلة ، فقرأ سورة ( الرحمن ) ومر النفر من الجن فآمنوا به.

وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة ( الرحمن ) من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال : لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله : فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال : هذا حديث غريب.

وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم.

وروي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اتل علي مما أنزل عليك ، فقرأ عليه سورة ( الرحمن ) فقال : أعدها ، فأعادها ثلاثا ، فقال : والله إن له لطلاوة ، وإن عليه لحلاوة ، وأسفله لمغدق ، وأعلاه مثمر ، وما يقول هذا بشر ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

وروي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن.

بسم الله الرحمن الرحيم الرحمنقوله تعالى : الرحمن علم القرآن قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي : ( الرحمن ) فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى ( الر ) ، و ( حم ) و ( ن ) فيكون مجموع هذه ( الرحمن ).

تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى : الرَّحْمَنُ (1)يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن.

فأنعم بذلك عليكم، إذ بصَّركم به ما فيه رضا ربكم، وعرّفكم ما فيه سخطه، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم، وعملكم بما أمركم به، وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه.