تفسير: ربنا آتهم ضعفين من…، الآية 68 من سورة الأحزاب

الآية 68 من سورة الأحزاب

قال تعالى: (رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا) [الأحزاب - الآية 68]

تفسير جلالين

«ربنا آتهم ضعفين من العذاب» أي مثليْ عذابنا «والعنهم» عذبهم «لعنا كثيرا» عدده، وفي قراءة بالموحدة، أي عظيماً.

تفسير السعدي

ولما علموا أنهم هم وكبراءهم مستحقون للعقاب، أرادوا أن يشتفوا ممن أضلوهم، فقالوا: رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا فيقول اللّه لكل ضعف، فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي، فتشتركون في العقاب، وإن تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم.

تفسير بن كثير

( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) أي : بكفرهم وإغوائهم إيانا ، ( والعنهم لعنا كبيرا ).

قرأ بعض القراء بالباء الموحدة.

وقرأ آخرون بالثاء المثلثة ، وهما قريبا المعنى ، كما في حديث عبد الله بن عمرو : أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي.

قال : " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ".

أخرجاه في الصحيحين ، يروى " كبيرا " و " كثيرا " ، وكلاهما بمعنى صحيح.

واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه ، وفي ذلك نظر ، بل الأولى أن يقول هذا تارة ، وهذا تارة ، كما أن القارئ مخير بين القراءتين أيتهما قرأ فحسن ، وليس له الجمع بينهما ، والله أعلم.

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا ضرار بن صرد ، حدثنا علي بن هاشم ، عن [ محمد بن ] عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، في تسمية من شهد مع علي ، رضي الله عنه : الحجاج بن عمرو بن غزية ، وهو الذي كان يقول عند اللقاء : يا معشر الأنصار ، أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه : ( ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) ؟.

تفسير الوسيط للطنطاوي

رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ أى: يا ربنا أنزل بهؤلاء السادات والكبراء عذابا مضاعفا، بسبب ضلالهم في أنفسهم، وبسبب إضلالهم لغيرهم.

وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً أى واطردهم من رحمتك، وأبعدهم عن مغفرتك، إبعادا شديدا عظيما، فهم الذين كانوا سببا لنا في هذا العذاب المهين الذي نزل بنا.

وهكذا نرى الآيات الكريمة، تصور لنا أحوال الكافرين في الآخرة هذا التصوير المؤثر، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.

وبعد أن فصلت السورة الكريمة ما فصلت من أحكام، وأرشدت إلى ما أرشدت من آداب، وقصت ما قصت من أحداث.

بعد كل ذلك وجهت في أواخرها نداءين إلى المؤمنين، أمرتهم فيهما بتقوى الله- تعالى- وبالاقتداء بالأخيار من عباده، وباجتناب سلوك الأشرار، كما ذكرتهم بثقل الأمانة التي رضوا بحملها، وبحسن عاقبة الصالحين وسوء عاقبة المكذبين، قال- تعالى-:.

تفسير البغوي

( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) أي : ضعفي عذاب غيرهم ( والعنهم لعنا كبيرا ) قرأ عاصم : كبيرا بالباء.

قال الكلبي : أي : عذابا كثيرا ، وقرأ الآخرون بالثاء لقوله تعالى : " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ( البقرة - 161 ) ، وهذا يشهد للكثرة ، أي : مرة بعد مرة.

تفسير القرطبي

قوله تعالى : ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا.

قوله تعالى : ربنا آتهم ضعفين من العذاب قال قتادة : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وقيل : عذاب الكفر وعذاب الإضلال ; أي عذبهم مثلي ما تعذبنا فإنهم ضلوا وأضلوا.

والعنهم لعنا كبيرا قرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى وعاصم بالباء.

الباقون بالثاء ، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس ، لقوله تعالى : أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وهذا المعنى كثير.

وقال محمد بن أبي السري : رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلان وكأن رجلا يناظرني فيمن يبغض أصحاب محمد فقال : والعنهم لعنا كثيرا ، ثم كررها حتى غاب عني ، لا يقولها إلا بالثاء.

وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء ; لأن ما كبر كان كثيرا عظيم المقدار.

تفسير الطبري

(رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَينِ مِنَ الْعَذَابِ) يقول: عذبهم من العذاب مثلي عذابنا الذي تعذبنا(وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) يقول: واخزهم خزيًا كبيرًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله ( رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا ) أي: رءوسنا في الشر والشرك.

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا) قال: هم رءوس الأمم الذين أضلوهم، قال: سادتنا وكبراءنا واحد.

وقرأت عامة قراء الأمصار (سَادَتَنا) وروي عن الحسن البصري (سَادَاتِنا) على الجمع، والتوحيد في ذلك هي القراءة عندنا؛ لإجماع الحجة من القراء عليه.

واختلفوا في قراءة قوله (لَعْنًا كَبِيرًا) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار بالثاء (كَثِيرًا) من الكثرة، سوى عاصم فإنه قرأه (لَعْنًا كَبِيرًا) من الكبر.

والقراءة في ذلك عندنا بالثاء لإجماع الحجة من القراء عليها.