الآية 93 من سورة النمل
قال تعالى: (وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) [النمل - الآية 93]
تفسير جلالين
«وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها» فأراهم الله يوم بدر القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجلهم الله إلى النار «وما ربك بغافل عما يعملون» بالياء والتاء وإنما يمهلهم لوقتهم.
تفسير السعدي
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي له الحمد في الأولى والآخرة ومن جميع الخلق، خصوصا أهل الاختصاص والصفوة من عباده، فإن الذي ينبغي أن يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم أعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم.
سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا معرفة تدلكم على الحق والباطل، فلا بد أن يريكم من آياته ما تستنيرون به في الظلمات.
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل قد علم ما أنتم عليه من الأعمال والأحوال وعلم مقدار جزاء تلك الأعمال وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه ولا يكون لكم حجة بوجه من الوجوه عليه.
تم تفسير سورة النمل بفضل الله وإعانته وتيسيره.
ونسأله تعالى أن لا تزال ألطافه ومعونته مستمرة علينا وواصلة منه إلينا، فهو أكرم الأكرمين وخير الراحمين وموصل المنقطعين ومجيب السائلين.
ميسر الأمور العسيرة وفاتح أبواب بركاته والمجزل في جميع الأوقات هباته، ميسر القرآن للمتذكرين ومسهل طرقه وأبوابه للمقبلين وممد مائدة خيراته ومبراته للمتفكرين والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
على يد جامعه وممليه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، وذلك في 22 رمضان سنة 1343.
تفسير بن كثير
( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ) ، أي : لله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، والإعذار إليه ; ولهذا قال : ( سيريكم آياته فتعرفونها ) كما قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [ فصلت : 53 ].
وقوله : ( وما ربك بغافل عما تعملون ) أي : بل هو شهيد على كل شيء.
قال ابن أبي حاتم : ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر : حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد ، سمعت أبا هريرة يقول : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس ، لا يغترن أحدكم بالله ; فإن الله لو كان غافلا شيئا لأغفل البعوضة والخردلة والذرة ".
[ قال أيضا ] : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا نصر بن علي ، قال أبي : أخبرني خالد بن قيس ، عن مطر ، عن عمر بن عبد العزيز قال : فلو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم.
وقد ذكر عن الإمام أحمد ، رحمه الله ، أنه كان ينشد هذين البيتين ، إما له أو لغيره :إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعةولا أن ما يخفى عليه يغيبآخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة.
تفسير الوسيط للطنطاوي
ثم ختم السورة الكريمة بهذا التوجيه الكريم، للرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى-:وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
أى: وقل- أيها الرسول الكريم- للناس: الثناء كله، والفضل كله، لله- تعالى- وحده.
وهو- سبحانه- سَيُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على وحدانيته وقدرته فَتَعْرِفُونَها أى: فتعرفون صدقها.
وصدق الله- عز وجل- ففي كل يوم، بل في كل ساعة، يرى عباده بعض آياته الدالة على وحدانيته وقدرته، في أنفسهم، وفي آفاق هذا الكون وما أحكم قوله- تعالى-:سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بهذه الجملة التي تحمل طابع التهديد والوعيد لمن خالف أمره، فقال- تعالى-: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
أى: وما ربك- أيها الرسول الكريم- بغافل عما يعمله الناس، وما يقولونه لك، وما يتهمونك به، فسر في طريقك، وبلغ ما أمرك- سبحانه- بتبليغه، فإن العاقبة لك ولأتباعك المؤمنين، أما الكافرون والمنافقون فنحن الذي سنتولى حسابهم.
وبعد: فهذا تفسير لسورة «النمل» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تفسير البغوي
( وقل الحمد لله ) على نعمه ، ( سيريكم آياته ) يعني : يوم بدر ، من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم ، نظيره قوله - عز وجل - : " سأريكم آياتي فلا تستعجلون " ( الأنبياء - 37 ) ، وقال مجاهد سيريكم آياته في السماء والأرض وفي أنفسكم ، كما قال : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " ( فصلت - 53 ) ، ( فتعرفونها ) يعني : تعرفون الآيات والدلالات ، ( وما ربك بغافل عما تعملون ) وعدهم بالجزاء على أعمالهم.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : وقل الحمد لله أي على نعمه وعلى ما هدانا سيريكم آياته أي في أنفسكم وفي غيركم كما قال : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم.
( فتعرفونها ) أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السماوات وفي الأرض ; نظيره قوله تعالى : وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون.
وما ربك بغافل عما تعملون قرأ أهل المدينة وأهل الشام وحفص عن عاصم بالتاء على الخطاب ; لقوله : سيريكم آياته فتعرفونها فيكون الكلام على نسق واحد.
الباقون بالياء على أن يرد إلى ما قبله ( فمن اهتدى ) فأخبر عن تلك الآية.
كملت السورة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ ) يا محمد لهؤلاء القائلين لك من مشركي قومك: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ ) على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أنتم عنه عمون, سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه, فتعرفون بها حقيقة نصحي كان لكم, ويتبين صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ) قال: في أنفسكم, وفي السماء والأرض والرزق.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق.
وقوله: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون, ولكن لهم أجل هم بالغوه, فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك تكذيبهم إياك, فإني من وراء إهلاكهم, وإني لهم بالمرصاد, فأيقن لنفسك بالنصر, ولعدوّك بالذلّ والخزي.