الآية 12 من سورة الحجر
قال تعالى: (كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ) [الحجر - الآية 12]
تفسير جلالين
«كذلك نسلكه» أي مثل إدخالنا التكذيب في قلوب أولئك ندخله «في قلوب المجرمين» أي كفار مكة.
تفسير السعدي
كذلك نسلكه أي: ندخل التكذيب في قلوب المجرمين أي: الذين وصفهم لظلم والبهت، عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب، تشابهت معاملتهم لأنبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان.
تفسير بن كثير
قال أنس ، والحسن البصري : ( كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ) يعني : الشرك.
تفسير الوسيط للطنطاوي
والكاف في قوله كَذلِكَ نَسْلُكُهُ.
للتشبيه، واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى السلك المأخوذ من نسلكه.
والسلك مصدر سلك- من باب نصر- وهو إدخال الشيء في الشيء، كإدخال الخيط في المخيط.
والضمير المنصوب في «نسلكه» يعود إلى القرآن الكريم الذي سبق الحديث عنه.
والمراد بالمجرمين في قوله فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ مشركو قريش ومن لف لفهم.
والمعنى: كما سلكنا كتب الرسل السابقين في قلوب أولئك المستهزئين نسلك القرآن في قلوب هؤلاء المجرمين من قومك يا محمد، بأن نجعلهم يسمعونه ويفهمونه ويدركون خصائصه دون أن يستقر في قلوبهم استقرار تصديق وإذعان لاستيلاء الجحود والعناد والحسد عليهم.
وقوله لا يُؤْمِنُونَ بِهِ بيان للسلك المشبه به، أو حال من المجرمين.
أى: أدخلنا القرآن في قلوبهم ففهموه، ولكنهم لا يؤمنون به عنادا وجحودا.
وعلى هذا التفسير يكون الضمير في نَسْلُكُهُ وفي بِهِ يعودان إلى القرآن الكريم، الذي سبق الحديث عنه في قوله- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
ومن المفسرين الذين ذكروا هذا الوجه ولم يذكروا سواه صاحب الكشاف، فقد قال:«والضمير في قوله نَسْلُكُهُ، للذكر: أى: مثل ذلك السلك ونحوه نسلك الذكر فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ على معنى أن يلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزئا به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها: فقلت: كذلك أنزلها باللئام: تعنى مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية.
ومحل قوله لا يُؤْمِنُونَ بِهِ النصب على الحال، أى: غير مؤمن به.
أو هو بيان لقوله كَذلِكَ نَسْلُكُهُ.
وقد زكى هذا الوجه صاحب الانتصاف فقال: والمراد- والله أعلم- إقامة الحجة على المكذبين، بأن الله- تعالى- سلك القرآن في قلوبهم، وأدخله في سويدائها، كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين، فكذب به هؤلاء، وصدق به هؤلاء، كل على علم وفهم لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
، ولئلا يكون للكفار حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن.
».
ويرى بعض المفسرين- كالإمام ابن جرير- أن الضمير في نسلكه يعود إلى الكفر الذي سلكه الله في قلوب المكذبين السابقين، أما الضمير في بِهِ فيعود إلى القرآن الكريم، فقد قال: قوله- تعالى- كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ.
يعنى: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بسبب الكفر بالله.
تفسير البغوي
( كذلك نسلكه ) أي : كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين ، كذلك [ نسلكه : ندخله ] ( في قلوب المجرمين ) يعني : مشركي مكة قومك.
وفيه رد على القدرية.
تفسير القرطبي
قوله تعالى : كذلك نسلكه في قلوب المجرمينقوله - تعالى - : كذلك نسلكه أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك.
في قلوب المجرمين من قومك ; عن الحسن وقتادة وغيرهما.
أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب مشركي قومك حتى لا يؤمنوا بك ، كما لم يؤمن من قبلهم برسلهم.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال : نسلك التكذيب.
والسلك : إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط.
يقال : سلكه يسلكه سلكا وسلوكا ، وأسلكه إسلاكا.
وسلك الطريق سلوكا وسلكا وأسلكه دخله ، والشيء في غيره مثله ، والشيء كذلك والرمح ، والخيط في الجوهر ; كله فعل وأفعل.
وقال عدي بن زيد :وقد سلكوك في يوم عصيبوالسلك ( بالكسر ) الخيط.
وفي الآية رد على القدرية والمعتزلة.
وقيل : المعنى نسلك القرآن في قلوبهم فيكذبون به.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة القول الذي عليه أكثر أهل التفسير ، وهو ألزم حجة على المعتزلة.
وعن الحسن أيضا : نسلك الذكر إلزاما للحجة ; ذكره الغزنوي.
تفسير الطبري
يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله ( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) يقول: لا يصدّقون بالذكر الذي أنزل إليك ، والهاء في قوله ( نَسْلُكُهُ ) من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال: التكذيب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الحسن، في قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال: الشرك.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره أجمع على الإثبات، فسألته عن قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) قال: أعمال سيعملونها لم يعملوها.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، قال: قرأت القرآن كله على الحسن، فما كان يفسره إلا على الإثبات، قال: وقفته على نسلكه، قال: الشرك ، قال: ابن المبارك: سمعت سفيان في قوله ( نَسْلُكُهُ ) قال: نجعله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) قال: هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الإيمان ، يقال منه: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، وأسلكه يسلكه إسلاكا، ومن السلوك قول عديّ بن زيد:وكنْت لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أعرّدْوَقَدْ سَلَكوكَ فِي يَوْم عَصِيبٍ (4)ومن الإسلاك قول الآخر:حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قُتَائِدَةٍشَلا كَما تَطْرد الجَمالَة الشردَا (5)------------------------الهوامش:(4) البيت لعدي بن زيد العبادي ، وقد تقدم واستشهد المؤلف به عند قوله تعالى في سورة هود "وقال هذا يوم عصيب " فراجعه في الجزء الثاني عشر صفحة 82.
والشاهد فيه هنا : أنه اشتق سلكوك من المصدر الثلاثي ( السلك ).
(5) البيت لعبد مناف بن ربعي الهذلي ( اللسان : جمل) استشهد به المؤلف على أن " أسلكوهم " بالهمزة في أوله لغة مثل سلوكهم التي وردت في البيت السابق من شعر عدي بن زيد ، والبيت أيضا في ( خزانة الأدب للبغدادي 3 : 170 ) شاهد على أن جواب إذا عند الرضى شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر ، والتقدير : بلغوا أملهم ؛ أو أدركوا ما أحبوا ونحو ذلك ، وقيل فيه وجهان آخران ، قال البغدادي وأسلك : لغة في سلك ، يقال أسلكت الشيء في الشيء ، مثل سلكته فيه ، بمعنى أدخلته فيه ، وقتائدة : ثنية ، وقال البكري : جبل بين المنصرف والروحاء ، والشل : الطرد ، والجمالة : فاعلي تطرد ، وهم أصحاب الجمال ، كما يقال الحمارة لأصحاب الحمير ، والشرد : جمع شرود ، أي من الجمال.